صناعة الفضاء الأميركية، تعني ما هو أكثر بكثير من استكشاف الفضاء، فهي منبع للابتكار، يساعد على دفع الاقتصاد العالمي برمته للأمام، وهو ما يمكن تبينه من العوائد الهائلة التي حققتها هذه الصناعة، والتي بلغت 330 مليار دولار تقريباً عام 2014. ووسائل الاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية، وريسيفرات تحديد الموضع العالمي GPS، وأجهزة التصوير الجيوـ فضائية، ووسائل التنبؤ بالطقس، والمعدات المتعلقة بالأمن القومي، والسلع والخدمات الفضائية، كلها جزء لا يتجزأ من القوة التنافسية لاقتصاد الولايات المتحدة، وقدرتها الشاملة على الحفاظ على أمنها. ويقوم رواد الأعمال الأميركيون، من الشركات العملاقة، بتصنيع قدرات فضائية جديدة ومثيرة، تشمل مركبات الإطلاق الأرخص تكلفة، التي تستخدم في إرسال الشحنات إلى المدار Orbit، وأساطيل الأقمار الصناعية الصغيرة، التي ترصد الأرض بشكل دائم. إصلاح «الأقمار» وهناك أيضاً معدات خدمة الأقمار الصناعية وهي في مدارها الفضائي In- orbit التي يمكنها إصلاح الأقمار الحكومية الباهظة التكلفة، وتقنيات التنقيب عن الموارد في الكويكبات وسطح القمر، التي يمكنها أن تقلل لحد كبير من تكلفة إرسال الإمدادات من الأرض إلى الفضاء. تتطلب معاهدة الفضاء الخارجي الموقعة 1967 من الدول المنضوية فيها، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تقدم «التفويض والإشراف الدائم» المتعلق بأنشطتها الفضائية كافة. في العادة، يعني هذا بالنسبة للشركات الأميركية الخاصة، أنها ملزمة بالحصول على رخصة فيدرالية قبل أن تمارس أي نشاط في الفضاء الخارجي. من الأمثلة على ذلك أن مفوضية الاتصالات الفيدرالية (FCC) تصدر رخصاً لتشغيل وسائل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. كما أن إطلاق قمر صناعي في الفضاء، أو إعادة إدخاله من مداره إلى المجال الجوي الأرضي مرة أخرى، يتطلب أيضاً إذناً خاصاً من إدارة الطيران الفيدرالية (FAA)، أما الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)فتشرف على إصدار رخص خارجية لأقمار الاستشعار عن بعد، التي تلتقط صوراً فائقة الدقة لكوكب الأرض. مع ذلك، فإن تنامي القدرات الفضائية للشركات الخاصة، وظهور منتجات فضائية جديدة لها على نحو متواصل، كشف عن وجود ثغرات في قوانين ولوائح الولايات المتحدة الحالية المتعلقة بالأنشطة الفضائية. من هذه الثغرات على سبيل المثال، أنه لا يوجد حتى اليوم سلطات حكومية محددة، مختصة بترخيص معظم الأنشطة الفضائية الموجودة في مدارات حول الأرض، مثل خدمات صيانة الأقمار الصناعية، والأبحاث الخاصة، وتسهيلات السياحة الفضائية. ولا توجد آلية دولية واضحة للاعتراف بدعاوى امتلاك موارد فضائية، أو ميكانيزمات لتنسيق عمليات إزالة الخردة الفضائية، لأن كل ما هو في الفضاء، حتى لو كان قطعة خردة معدنية، لا بد أن يكون مملوكاً لدولة بعينها. «الفضاء» بلا قواعد تنظيمية والولايات المتحدة، لديها قواعد ونظم واضحة، للتحكم في تصدير التقنيات الفضائية الحساسة «على الأرض»، بيد أنها تفتقر إلى قواعد ونظم واضحة لعمليات القطاع الخاص «في الفضاء»، وهو ما جعل بعض الدول، مثل روسيا تتساءل، عما إذا ما كانت شركات الفضاء الأميركية الخاصة، تخضع لإشراف دقيق كما هو محدد من قبل القانون الدولي. لاشك أن الولايات المتحدة قادرة- بل ويجب عليها - تأسيس آلية تنظيمية داعمة لأنشطة الفضاء التجارية، حيث لا توجد حالياً سلطة مركزية للقيام بذلك. فوزارة الخارجية ليس لديها القدرات التقنية المطلوبة لتحقيق ذلك، ووكالة «ناسا» الفضائية، ووزارة الدفاع لديهما بالفعل مسؤوليات فضائية ملحة تثقل كاهلهما، فضلاً عن أنهما ليستا جهتين تنظيميتين في الأساس. من جانب آخر، سيكون من الصعوبة بمكان، إضافة مهام جديدة لـ«مفوضية الاتصالات الفيدرالية»، و«إدارة الطيران الفيدرالية» خارجة عن نطاق مسؤوليتهما الأساسية، وهي الاتصالات والطيران على الترتيب. أما معظم الوزارات والوكالات الحكومية الأخرى، فهي بالفعل زبائن للسلع والخدمات الفضائية التجارية، وليست مؤهلة بحكم طبيعتها، للتعامل مع التنوع الآخذ في التزايد للأنشطة الفضائية الخاصة. والمكان الأكثر منطقية للإشراف على التجارة الفضائية، ودعمها، هو في نظري وزارة التجارة. مكتب التجارة الفضائية أثناء إدارة رونالد ريجان وجورج بوش الأب، أنشأت وزارة التجارة الأميركية، ما سُمي بـ«مكتب التجارة الفضائية» لتنسيق أنشطة الفضاء التجارية، عبر إدارات الوزارة المختلفة، بدءاً من تحليل الصناعة والترويج التجاري لها، إلى الإصلاح التنظيمي، واتفاقيات التجارة الدولية المتعلقة بها. كما عمل هذا المكتب أيضاً، كممثل للمصالح الفضائية لوزارة التجارة مثل برنامج الأقمار الصناعية المستخدمة في التنبؤات المناخية، و«المجلس الفضائي الدولي» وهو هيئة داخل المكتب التنفيذي لرئيس الولايات المتحدة كان وزير التجارة أحد أعضائه. وساعد المكتب على وضع ضوابط لتيسير تصدير التقنيات الفضائية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، واستخدم آلية جديدة لمنح التراخيص للأقمار الصناعية المستخدمة في الاستشعار عن بعد، كما قدم المساعدة في المفاوضات الرامية للتوصل لاتفاقيات تجارية دولية، لخدمات الإطلاق Launchingللفضاء، وقاد أول مهمة تجارة فضائية لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي. فيما بعد، أصبحت الإدارات الأميركية المتعاقبة أقل اهتماماً بالتجارة الفضائية، وجرى على هذا الأساس تقليص حجم المكتب، وتنزيل رتبته في السلم البيروقراطي، مما جعل فعاليته أقل كثيراً مما كانت عليه من قبل. وقد يتبادر إلى أذهاننا اليوم، أن المستويات العليا في وزارة التجارة الأميركية، ستقول إن الفضاء التجاري لا يمثل أولوية بالنسبة لها، حيث إنها لم تسمع من صناعة الفضاء، أنه ـ الفضاء التجاري ـ يجب أن يكون كذلك. ترويج القطاع الفضائي الأميركي ولكن يجب علينا أن نعرف الصناعة، من ناحيتها، تتوجس بطبيعتها من اللوائح والضوابط، وتميل للتركيز على مشاكلها العملية، بدلا من التركيز على المسائل ذات الصلة بالاقتصاد القومي، أو بالقدرة التنافسية للولايات المتحدة على المستوى الدولي. والمحصلة التي يمكن الخروج بها من ذلك، أن الولايات المتحدة تحتاج إلى إدارة على مستوى وزاري، ذات مهمة محددة وواضحة من ناحية، وموارد كافية لترويج مصالح القطاع الفضائي الأميركي، الذي يتغير بوتائر سريعة من ناحية أخرى. أما بالنسبة لمجتمع الفضاء الدولي، فمن الملاحظ أنه قد حقق تقدماً في النقطة الخاصة، برسم خطوط إرشادية تقنية تطوعية، لتخفيف عملية تكوّن الخردة الفضائية. من الأدلة على ذلك، أن وسائل إطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي، باتت تنتج في الوقت الراهن كميات أقل من الحطام الفضائي، مقارنة بما كان عليه الحال في السابق. وقد تلزم الإشارة في هذا السياق، إلى أن هناك قواعد فعالة معمول بها للتخلص من الأقمار الصناعية، التي تستنفذ أغراضها، ويتم الاستغناء عن خدماتها، غير أن الشيء الذي يؤسف له، أنه لم يتم تحقيق تقدم مماثل، بشأن إزالة أو تخفيف الحطام الموجود في الفضاء حالياً. فشل اتفاقية «القمر» والشيء الذي يستحق الثناء، أن وزارة الخارجية، قد تواصلت مع صناعة الفضاء الأميركية، من خلال دعوتها لممثلين من الاتحادات المهنية والتجارية، للعمل كمستشارين للقطاع الخاص في الوفود الرسمية للولايات المتحدة في المنظمة الأممية، ومنظماتها الفرعية المتخصصة، غير أنه لا يوجد حتى الآن جهاز مركزي داخل الحكومة الأميركية، مسؤول عن الإشراف على مصالح التجارة الفضائية. يطالب بعض علماء القانون، القائمين على دراسة تطبيق القانون الدولي، بتحديث المعاهدات الفضائية، بحيث تكون صالحة للتعامل بشكل مباشر مع الأنشطة التجارية. المحاولات الأخيرة لتحقيق ذلك التي تمت في عقد السبعينيات من القرن الماضي، انتهت بـ«اتفاقية القمر» الفاشلة عام 1979. ومن المعروف أن هذه الاتفاقية، قد سعت لإنشاء نظام قانوني، يتولى مهمة إصدار التصاريح الدولية للتجارة الفضائية، التي كان سيترتب عليها، في حالة تطبيقها، تثبيط همة المبادرات التجارية في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، كان من المتوقع أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى خلق بيروقراطية دولية معقدة، علاوة على أن الأرباح المحققة من قبل المشروعات الخاصة، كان من المنتظر- وفقا للاتفاقية- أن يعاد توزيعها بين الدول المختلفة الموقعة عليها بصرف النظر عما إذا ما كانت هذه الدول قد ساهمت في هذه المشروعات، أم لم تساهم. ومن جانبها، سعت الدول النامية، للحصول على تقنيات فضاء من الدول الأكثر تقدما، وهو ما كان سيترتب عليه زيادة التكاليف والمخاطر، مع تقليل الأرباح المحتملة. لهذا السبب رفضت الولايات المتحدة، وكذلك الدول الأخرى العاملة في مجال الصناعة الفضائية، التصديق على الاتفاقية. محصلة ذلك، أن هناك مسائل مثل دور الملكية الخاصة، والتجارة الخاصة في الفضاء، ما زالت حتى اللحظة، تعمل في منطقة رمادية من القانون الدولي. من بين المقاربات العلمية للتعامل مع موضوع التجارة الفضائية الدولية، المقاربة المتعلقة برسم خطوط إرشادية طوعية، مثل تلك الخاصة بالتخلص من الحطام المداري، وهي خطوط يمكن بعد ذلك تصنيفها ودياً على هيئة لوائح وطنية. يمكن للدول المختلفة بعد ذلك، أن تقرر ما هي الطريقة المثلى التي يمكن لها من خلالها، تطبيق الأعراف الدولية على المستوى المحلي. تقنين تشغيل «الأقمار» من الأمثلة على ذلك، أنه من ضمن الشروط الخاصة بـ«مفوضية الاتصالات الفيدرالية» المطبقة حالياً، أن منح رخصة تشغيل اتصالات عبر الأقمار الصناعية، تشترط تقديم دليل على أن القمر الصناعي، يمكن التخلص منه بالأسلوب السليم، في نهاية فترة حياته. وهذا الشرط من اشتراطات التخلص من الأقمار الصناعية، مستمد من الخطوط الإرشادية الطوعية المطورة عبر الأمم المتحدة. على المستوى الدولي، تؤدي الولايات المتحدة، بشكل أفضل من منافسيها في بعض مجالات التجارة الفضائية، في حين تتأخر عنهم في بعضها الآخر. يعمل رواد الأعمال الأميركيون الكبار، من الشركات والمؤسسات الضخمة أيضاً، على تدشين خدمات جديدة، مثل خدمات إصلاح الأقمار الصناعية وهي في مدارها الفضائي، والتسهيلات الخاصة بالأبحاث العلمية وبالسياحية الفضائية. قواعد لـ«صناعة الفضاء» مع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه الجزم بأن تلك الخدمات سيكون مآلها النجاح. بيد أن الشيء المؤكد هو أن مصالح صناعة الفضاء التجارية الأميركية، ستُخدم بأفضل طريقة ممكنة، من خلال وضع قواعد وأنظمة مستقرة وداعمة على المستوى الدولي، لديها القدرة على ترقية ـ وليس تعويق ـ الابتكار والنمو الاقتصادي. كما هي الحال دائماً، فإن الرواد، وليس المتأخرين في الالتحاق، هم الذين يتاح لهم، في غالب الأحيان، صياغة القواعد والأنظمة. فالقيادة الأميركية في مجال بناء الأعراف والممارسات الدولية، تعد عنصراً غاية في الأهمية للمحافظة على مزاياها الاستراتيجية في الفضاء. والولايات المتحدة في حاجة إلى تعزيز، وتركيز، أدوار ومسؤوليات الوكالة في التجارة الفضائية على المستوى المحلي، وإلى تولي زمام القيادة فيما يتعلق بصياغة الأعراف الخاصة بالاستخدامات الفضائية على المستوى الدولي. وقيامها بذلك أمر مهم وحيوي لاقتصادها من ناحية، ومصالحها الأمنية من ناحية أخرى. ويلاحظ في هذا السياق، أن وزارة التجارة قد التزمت الصمت نسبياً في المناقشات الخاصة بالسياسات الفضائية، وأن المقاربة الحالية الارتجالية، للاستجابة لمبادرات القطاع الخاص الجديدة، لا يمكن لها الاستمرار، ولا يمكن الدفاع عنها، إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تظل في مركز الصدارة العالمية في المجال الفضائي. لقد حان الوقت، للتعامل مع التجارة الفضائية باعتبارها جزءاً أساسياً من القدرة التنافسية للولايات المتحدة، كما حان الوقت أيضاً لتحقيق التناغم المطلوب بين المسؤوليات والمصادر الفيدرالية، وبين الفرص التجارية الجديدة في المجال الفضائي. سكوت بيس * *مدير معهد السياسة الفضائية بمدرسة إليوت للشؤون الدولية بجامعة «جورج واشنطن» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبون نيوز سيرفس»