مع تواصل الحرب الأهلية في سوريا والاضطرابات في العراق وأفغانستان، يتواصل تدفق أفواج اللاجئين على أوروبا، وخاصة مع اقتراب الصيف، الموسم الذي تكثر فيه قوارب الموت عبر المتوسط وبحر إيجه. تدفق الفارين من ويلات الحروب وضنك العيش هذا بلغ أوجه في 2015، ما تسبب في موجة هجرة ضخمة لم تعرف القارة العجوز مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية، ومعها أزمة إنسانية كبيرة استجابت لها بعض الدول بينما اختارت أخرى إدارة ظهرها لها. وفي كتابه «الأوديسة الجديدة»، يلقي الكاتب والصحافي البريطاني باتريك كينجسلي الضوء على هذه الأزمة الإنسانية في شكل ريبورتاج مطول. فطيلة 2015، سافر كينجسلي إلى 17 بلداً على الطريق الذي يسلكه عادة المهاجرون، فالتقى مئات الحالمين ببلوغ الفردوس الأوروبي الذين يقومون برحلات ملحمية يقطعون خلالها الصحارى والبحار والجبال من أجل بلوغ وجهتهم المنشودة في أوروبا، إما هرباً من الحروب والنزاعات أو أملاً في تحسين أوضاعهم المعيشية، وفيه يحكي قصص هؤلاء البؤساء: لماذا يستمرون في القدوم إلى أوروبا رغم علمهم بكل المخاطر والصعاب المحدقة، وكيف يقومون بذلك، كما يسلط الضوء على المهربين الذي يساعدونهم –ويستغلونهم- في مسيرتهم الشاقة والطويلة، وعلى خفر السواحل الذين يقومون بانتشالهم وإنقاذهم على الضفة الأخرى، ويحكي قصة المتطوعين الذين يقدمون لهم الطعام والمأوى، وحرس الحدود الذي يحاولون منعهم من العبور، والسياسيين الذين يختارون غض الطرف والتصرف كما لو أن شيئاً لا يحدث. يستهل كينجسلي ريبورتاجه الضخم من النيجر حيث يقتفي أثر المهربين الذين ينقلون المهاجرين عبر «البحر الثاني»، في إشارة إلى الصحراء الكبرى الممتدة، وعلى السواحل الليبية والمصرية، يحاورُ مهربين يسوقون المهاجرين إلى قوارب ستبحر شمالاً، ثم يركب البحر على متن سفينة تابعة لمنظمة «أطباء بلا حدود» الإنسانية من أجل إنقاذ من تقطعت بهم السبل في البحر، وزيارة مقر خفر السواحل الإيطالي الذي كان يشرف على برنامج للبحث والإنقاذ لم يعمّر طويلاً. وفي الجزء الأخير من الكتاب، يصف كينجسلي محنة المهاجرين أثناء محاولتهم عبور الحدود وشق طريقهم عبر أوروبا، حيث رافق مجموعات منهم من اليونان وعبر البلقان، ثم انتهاء الرحلة المحفوفة بالمخاطر بإقامة دائمة في مكان ما من أوروبا بالنسبة لأقلية قليلة يحالفها الحظ، على غرار السوري هاشم الذي يروي المؤلف حكايته. ورغم الطابع الوصفي الغالب على الكتاب، فإنه يخلو من بعض التوصيات، ومن ذلك ضرورة إحياء وتمويل برنامج «ماري نوستروم» لإنقاذ المهاجرين، وإقامة مراكز لدراسة طلبات اللجوء في تركيا وليبيا والأردن ولبنان، حتى يتسنى للمهاجرين السفر بشكل قانوني دون الحاجة لقوارب المهربين، واستثمار أوروبا في دعم اللاجئين في البلدان التي تحتضن الجزء الأكبر منهم، مثل تركيا والأردن وليبيا، واستقبال الدول الأوروبية الغنية للاجئين بأعداد أكبر من الأعداد المخجلة الحالية. ويعتبر كينجسلي أن الرحلات الشاقة والمحفوفة بالمخاطر التي يقدم عليها المهاجرون تستحق أن تُعتبر «أوديسة معاصرة»، وذلك على اعتبار أن ما يحدث في الحدود الجنوبية لأوروبا يستوفي جميع شروط ومواصفات الملحمة. محمد وقيف الكتاب: الأوديسة الجديدة المؤلف: باتريك كينجسلي الناشر: جارديان فابر بابليشينج تاريخ النشر: 2016