بعد مبادرة الرئيس أوباما المثيرة للجدل بتطبيع العلاقات الأميركية مع كوبا، جاء الآن دور فيتنام. وخلال هذا الأسبوع، أطلق أوباما مبادرة جديدة تهدف إلى تحقيق تقارب سياسي مع فيتنام، وقرر السفر إلى هانوي والإعلان عن وقف العمل بقرار حظر بيع المعدات العسكرية للنظام الشيوعي الذي يناصب العداء الاستراتيجي للولايات المتحدة. ولا يبدو أن هذه الخطوة قد أثارت أي اهتمام من دعاة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم. وتعليقاً على هذا التطور الجديد، قال جون سيفتون، مدير المنظمة الآسيوية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريح خصّ به صحيفة «واشنطن بوست»: «لقد عبرت فيتنام بذاتها عن إعارتها اهتماماً لهذه العلاقات الجديدة التي تقترحها الولايات المتحدة»! ومن خلال رسالة مفتوحة لأوباما، وصفت المنظمة فيتنام بأنها «دولة سلطوية». وكانت الزيارة اللافتة التي أداها أوباما لكوبا في شهر مارس الماضي قد خلقت حالة غير مسبوقة من النقد والاضطراب في أوساط المعارضة الكوبية لنظام كاسترو، ودفعت بعض المحافظين إلى استخدام اسمي «باراك أوباما» و«تشي جيفارا» في جملة واحدة! ومع اقتراب موعد رحيل إدارته، لا يبدو أن أوباما يأبه بحقوق الإنسان حتى وفقاً للمفاهيم العامة الشائعة لدى الأميركيين لتلك الحقوق، والتي دأب الرؤساء الأميركيون السابقون على تقييم بلدان العالم استناداً إليها. ودافع أوباما عن سياساته هذه من خلال سلسلة لقاءات متلفزة تحدث خلالها عن الخطوط الأساسية التي يستند إليها، كما أشار إلى التحديات التي كانت تعترضه أثناء تطبيقها. وقد أطلق على نفسه صفات برزت من خلال فقرة نطق بها في أحد تلك اللقاءات حيث قال: «أنا أعتبر نفسي رجلاً مثالياً طالما أنني مقتنع بأن من واجبنا تعزيز مفهوم القيم التي تنطوي عليها مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبقية المعايير الإنسانية، ليس فقط لأنها تخدم مصالحنا فحسب، ولا لأن تزايد أعداد من يتبنى تلك القيم التي تتجسد في حكم القانون وحق الملكية الشخصية يُعتبر فائدة لنا، بل أيضاً لأن ذلك يجعل العالم مكاناً أفضل». ولكن، هناك عقبات وعراقيل تحول من دون تحقيق ذلك، أشار إليها أوباما نفسه بقوله: «وبعد أن قلت هذا الكلام، أنا أعتقد أيضاً أن العالم مكان ينطوي على القسوة والتعقيد، ويعجّ بالفوضى، وعامر بالمظالم والمآسي. وفي إطار سعينا لتعزيز أمننا الوطني ومصالحنا وأطروحاتنا المثالية وقيمنا التي نحرص عليها جميعاً كل الحرص، كان من المحتم علينا أن نحتكم إلى القسوة بقدر ما نحتكم إلى ما توحي لنا به قلوبنا الطيبة. وعلينا أن ندرك أيضاً أن هناك أوقاتاً يكون فيها أفضل ما يمكننا فعله هو فضح الممارسات المرعبة، وتجنّب الاعتقاد بأن في وسعنا أن نجد لها حلاً آلياً سريعاً». وقد أشار أوباما في كلمته التي ألقاها في فيتنام، إلى أن الولايات المتحدة ما زال أمامها طريق طويل يجب أن تقطعه في مجالات متعددة مثل التصدي لمشكلة عدم المساواة والتحيز العرقي، وعدم تكافؤ أجور النساء العاملات مع أجور الرجال. وخلال فترة رئاسته التي أشرفت على نهايتها، كان دوماً يؤكد ويشدد على أنه سيعمل على تحقيق التقدم المنشود في هذه المجالات. ومن خلال كلمة ألقاها بمدينة «سيلما» بولاية آلاباما العام الماضي في إطار الذكرى الخمسينية لتظاهرات «السبت الدموي» التي جرت على جسر «إدموند بيتوس»، وتصدت فيها قوات الأمن الأميركية للمتظاهرين السود بالرصاص الحي عام 1965، وراح ضحيتها المئات منهم على الرغم من أنهم كانوا يطالبون فقط بحق التصويت في الانتخابات أسوة بالبيض، قال: «إن صيانة حقوق الإنسان هي مشروعنا الذي لا يتوقف عن التطور». وأضاف متسائلاً: «فما هو المظهر الإيماني في التجربة الأميركية الذي يتفوق على هذا الهدف؟ وما هو حق المواطنة إن لم ينطوِ على الاعتقاد الراسخ بأن نجم أميركا لم يأفل بعد، وبأننا ما زلنا أقوياء بما يكفي لأن ننتقد أنفسنا بأنفسنا، وأن يسعى كل جيل مقبل إلى اكتشاف العيوب، وأوجه الخلل في سياساتنا، واتخاذ القرار الجريء بالعمل على تصويب الأمور بحيث نغدو أكثر التزاماً بتطبيق أطروحاتنا المثالية على أفضل وجه». وأضاف إلى ذلك قوله: «هذا هو بالضبط ما يعنيه حب أميركا. وهذا هو بالضبط ما يعنيه الإيمان بعظمة أميركا. وهذا هو بالضبط ما نعنيه عندما نقول إن أميركا بلد استثنائي». فرانسيس ويلكنسون: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»