بالاستناد إلى ما صرح به وزير الخارجية البرازيلي خوسيه سيرا، في مقابلة أجريت معه مؤخراً، فإن البرازيل، وهي أكبر دول أميركا اللاتينية، ستجري تغييرات كبيرة في سياستها الخارجية. ولن تصبح بعد الآن داعماً دون شروط وحليفاً أيدولوجياً لكوبا وفنزويلا وأنظمة سلطوية أخرى. وسيرا، سياسي مخضرم ومرشح رئاسي سابق شغل من قبل مناصب رئيس بلدية ساو باولو ووزير التنمية ووزير الصحة. وقد أخبرني في المقابلة معه أن حكومة الرئيس الانتقالي ميشل تامر ستركز كثيراً على الدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة. وأضاف سيرا في مقابلة معه عبر الهاتف: «ستكون هناك سياسة خارجية جديدة... والفكرة المحورية ستكون أن سياسة البرازيل الخارجية يتعين أن تخدم صالح الأمة، لا أن تخدم حزباً واحداً أو أيديولوجية واحدة، كما كان الحال في السنوات الماضية». وكان مجلس الشيوخ البرازيلي قد وافق على توجيه الاتهام رسمياً للرئيسة ديلما روسيف بعدم الأهلية بالمنصب ومحاكمتها، مما يمنعها من تولي مهام منصبها، ويقوم مقامها حالياً نائبها ميشل تامر. وقد دعمت البرازيل في ظل حكومة روسيف وسلفها لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وكلاهما من حزب العمال اليساري، بعضاً من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم. والحكمة الغالبة وسط الدوائر الدبلوماسية هي أنهم سلموا فعلياً قيادة السياسة الخارجية للبرازيل إلى الجناح اليساري لحزب العمال، وهذا في جانب منه على سبيل تعويضهم عن السياسات الاقتصادية المؤيدة لرجال الأعمال. وقد أيد لولا الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز، ووصفه في مقابلة عام 2008 بأنه «دون شك أفضل رئيس حظيت به فنزويلا في المئة عام الماضية». وفي ظل حكومتي لولا وروسيف كانت علاقات البرازيل بأميركا اللاتينية يديرها ماركو أوريليو جارثيا المعاون الرئاسي وصاحب النفوذ الذي كان يتمتع بعلاقات وثيقة بكوبا وفنزويلا. وأرادت البرازيل في ظل قيادة الرئيسين السابقين أن تتقدم إلى العالم باعتبارها زعيماً لدول العالم الثالث، وتغاضت عن انتهاكات حقوق الإنسان في الخارج في مسعى لإقامة علاقات أوثق مع أنظمة حاكمة في بعض دول العالم الثالث. والآن، أقالت حكومة تامر الجديدة جارثيا، وأصدرت بياناً ترفض فيه مزاعم كوبا وفنزويلا بأن وقف روسيف عن ممارسة مهام منصبها يرقى إلى درجة الانقلاب. واتهم بيان وزارة الخارجية البلدين «بنشر المغالطات» عن الديمقراطية البرازيلية. وتعتزم الحكومة البرازيلية الجديدة إعادة تركيز السياسة الخارجية للبلاد على توسيع العلاقات الاقتصادية والدفاع عن حقوق الإنسان. وفي هذا السياق أكد سيرا أنه: «من الواضح أن لدينا موقفاً أكثر حسماً فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان بصرف النظر عن الدول المعنية بذلك... لن نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولكن دون أي شك ستكون لنا مواقف أقوى في هذا الصدد». وعملياً، تبحث الحكومة البرازيلية الجديدة إغلاق 17 سفارة في أفريقيا ومنطقة الكاريبي كجزء من تقليص الإنفاق لتجاوز الأزمة الاقتصادية الكارثية التي تركتها حكومة روسيف. وهذه السفارات افتتحت في عهد إدارتي روسيف ولولا كجزء من مسعى أن يكونا من زعماء العالم الثالث. ومن بين التغييرات الكبيرة الأخرى التي من المرجح أن تنفذها حكومة البرازيل الجديدة، التوقيع على اتفاق تجارة حرة بين السوق المشتركة لتكتل «ميركوسور» في أميركا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، والسماح لأعضاء التكتل الإقليمي بالتوقيع على اتفاقات تجارة حرة ثنائية مع دول من غير «ميركوسور». وفيما يتعلق بالدفاع عن الديمقراطية، صرح الرئيس البرازيلي السابق فرناندو هنريك كاردوسو، وهو قريب من الحكومة الحالية، في مقابلة حصرية، أن البرازيل ستدعم على الأرجح العقوبات الدبلوماسية الإقليمية ضد فنزويلا وفقاً للميثاق الديمقراطي في «منظمة الدول الأميركية» لخرقها حكم القانون. وقال كاردوسو: «دون شك، وبحسب علمي، ستكون الحكومة الجديدة أكثر دعماً لتطبيق الاشتراط الديمقراطي... وهو التزام تم التوقيع عليه ويتعين الامتثال له». ومن قراءة واقع الحال، فمن المرجح أن تتغير السياسة الخارجية للبرازيل إلى الأفضل. وفي ظل قيادة روسيف ولولا، تغاضت البرازيل عن بعض منتهكي حقوق الإنسان. والآن تركز حكومة تامر على إصلاح الفوضى الاقتصادية التي تسببت فيها حكومة روسيف وتضع دعم الصادرات البرازيلية في قمة أولوياتها. وفي مجال السياسة الخارجية، ستنفذ البرازيل على الأرجح سياسة خارجية لا تحركها الأيديولوجية إلى حد كبير، لتكون أقرب اتساقاً مع الديمقراطيات الغربية. وسيرا ليس وزيراً ضعيفاً للخارجية. بل إنه واحد من أشهر السياسيين البرازيليين، وله تاريخ ديمقراطي متين، وقد أُجبر على العيش في المنفى أثناء فترة الديكتاتورية في البرازيل في ستينيات القرن الماضي، وهو يريد أن يترك بصمة في منصبه الجديد. وإذا فعل ما يقوله، فسيكون للبرازيل بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي الكبير تأثير عميق وإيجابي على بقية دول المنطقة الأخرى. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»