إذا اعتبرنا رفض نتنياهو الأسبوع الماضي لمبادرة السلام الفرنسية حلقة جديدة من حلقات هروبه من السلام العادل ومن رؤية حل الدولتين، فإن تصرفه الذي أعقب ذلك، والذي تمثل في ضم أفيجدور ليبرمان الشهير بتطرفه إلى حكومته يمثل قتلاً لجوهر السلام. يتبين هذا من المناورة الداخلية الماكرة التي قام بها نتنياهو نهاية الأسبوع الماضي، والتي تشير إلى مهارته في التلاعب بالأحزاب الإسرائيلية بما يخدم استمراره في الحكم من ناحية، ويكرس استراتيجيته لقضم وهضم الضفة ونسف جوهر السلام الممثل في إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، فقد أوهم المعسكر الصهيوني بقيادة هرتزوج، وهو يمثل القوة الرئيسية في أحزاب المعارضة «المعتدلة»، بأنه مهتم بضمه لحكومته، وبالتالي بدأ المعلقون الإسرائيليون في التنبؤ بأن هناك مشروعاً للسلام مع الفلسطينيين يجري بحثه. طبعاً ذاعت هذه التنبؤات في المصادر الإسرائيلية لأنه من المعروف أن المعسكر الصهيوني يقدم انتقادات دائمة للخط السياسي المتشدد الذي ينتهجه نتنياهو ويطرح رؤية مختلفة عن رؤيته المتطرفة، تقوم على ضرورة ضمان أمن إسرائيل عن طريق السلام مع الفلسطينيين وليس عن طريق توسيع الاستيطان وسياسة التضييق والحصار على الفلسطينيين. وبالتالي تصور المحللون من ترحيب هرتزوج بالتفاوض مع نتنياهو حول دخول الحكومة أن الأخير يحضِّر حكومته لمشروع سلام، وذلك بضم الحزب الذي يلح على هذا الاتجاه، غير أن تنبؤات المحللين الإسرائيليين تعرضت لصدمة شديدة عندما تبين لهم أن نتنياهو كان يستخدم المعسكر الصهيوني كسنارة لاصطياد حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف بقيادة أفيجدور ليبرمان والضغط على أعصابه لدفعه للمسارعة بالانضمام للحكومة، ذلك أن ليبرمان فقد أعصابه بالفعل عندما بدا له أنه سيبقى خارج الحكومة فألقى بتصريحات هي أقرب إلى تسول نتنياهو ليقبله شريكاً في حكومته ومعبراً عن استعداده لمقابلته والتفاهم معه. هنا تصرف نتنياهو كصياد ماهر مع السمكة التي ابتلعت الطعم فدعا ليبرمان للمقابلة العاجلة ليتفقا على دخول ليبرمان للحكومة بحزبه كوزير للدفاع. في نفس اليوم عقد هرتزوج مؤتمراً صحفياً عندما علم بمقابلة الاثنين ليعلن أنه لن يقبل التفاوض على دخول الحكومة بالتوازي مع مفاوضات نتنياهو وليبرمان، غير أن هذا لم ينفعه في شيء، فقد كان نتنياهو حصل منه على ما يريد، وبالتالي لم يعره التفاتاً. لقد تحول هرتزوج بعد ذلك لموجة شديدة من النقد من داخل حزبه واتهمه زملاؤه بأنه هاوٍ تصرف تصرفاً خالياً من الخبرة بما سمح لنتنياهو أن يستخدمه ثم يتخلص منه. وصل النقد لدرجة أن أحد زملائه قال: لقد استخدمنا نتنياهو ثم ألقانا للكلاب. إن نتنياهو كسب أمرين؛ الأول: إضعاف المعسكر الصهيوني والسخرية من استعداده لدخول الحكومة، والثاني تعزيز الطابع اليميني المتطرف لحكومته بدخول ليبرمان العنصري والمؤمن بالعنف والاستعمار الاستيطاني للضفة. إن العالم برمته يجمع على أن جوهر السلام يتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة في الضفة والقطاع ولا يمانع في تبادل نسبة طفيفة من الأرض في الضفة بمثلها داخل الخط الأخضر، كما أن مبادرة السلام العربية تعد إسرائيل مقابل السلام بما كانت تحلم به دوماً وهو العلاقات الطبيعية، غير أن حكومات اليمين الإسرائيلي بدءاً من حكومة شارون التي تلقت المبادرة لدى صدورها عن قمة بيروت عام 2002، وحتى حكومة نتنياهو الحالية راحت تسوف وتماطل وتتهرب من الاستجابة لمدة أربعة عشر عاماً هي عمر تلك المبادرة التاريخية، وتواصل قتل جوهر السلام.