بعكس كل التوقعات السابقة، يتجه الآن رجل الأعمال دونالد ترامب لأن يصبح المرشح الرسمي للحزب الجمهوري في السباق الرئاسي الأميركي خلال الانتخابات التي ستجرى في شهر نوفمبر القادم، وذلك خلال مؤتمر الحزب الجمهوري المقرر عقده في كليفلاند في شهر يوليو المقبل. وفي نفس الوقت، ومرة أخرى على الرغم من كل الصعاب، فإن المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون تخوض معارك يومية ضد منافسها بيرني ساندرز الذي كان نجاحه في الانتخابات التمهيدية مفاجئاً كما هو الحال مع الانتصارات التي حققها ترامب. لكن على افتراض أن هيلاري، على الرغم من ذلك، ستصبح في نهاية المطاف المرشحة الديموقراطية لانتخابات الرئاسة، فإن الانتخابات الحقيقية ستبدأ عندئذ، وعند هذه النقطة سيواجه دونالد ترامب أكثر التحديات صعوبة في مسيرة صعوده غير العادي للسلطة. وطوال الانتخابات التمهيدية كان ترامب قادراً على إيجاد وسيلة لتحقيق الانتصار من خلال الإدلاء بخطب مثيرة للغضب وتعليقات مهينة حول منافسيه، والتي جذبت ليس فقط الناخبين البيض الغاضبين، لاسيما من أصحاب الياقات الزرقاء، بل أيضاً مراسلي الصحافة والتليفزيون الذين رأوا في انفعالاته عناوين كبيرة وقصصاً جديدة ومثيرة للجدل كل يوم. ونتيجة لهذا المناخ الذي يشبه السيرك لحملة ترامب، كانت هناك تحليلات قليلة في العمق ومقالات حول سياسات ترامب، وهذا سيصبح الآن قضية أكثر تركيزاً وسيواجه ترامب تدقيقاً شديداً. حتى الآن، كانت تصريحات ترامب السياسية تتألف من سلسلة من التغريدات والشعارات والتعهدات المتناقضة بشكل كبير حول الكيفية التي سيقدم بها حلولاً للتحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد. أما بشأن القضايا المهمة، مثل الانتشار النووي والإرهاب والتغير المناخي والهجرة، فإن تعليقاته كانت تبدو إلى حد كبير كوميدية في بساطتها، فهو يريد أن «يجعل أميركا بلداً عظيماً مرة أخرى»، وأن يرحل 11 مليون مهاجر غير شرعي، وأن يفرض حظراً مؤقتاً على تأشيرات الدخول بالنسبة لجميع المسلمين الأجانب، وأن يبني جداراً مرتفعاً يمتد بطول الحدود مع المكسيك، وأن يجعل المكسيك تسدد تكاليف تشييد هذا الجدار! وهو يوصي كوريا الجنوبية واليابان بتطوير الأسلحة النووية، كما يريد أن يحل بطريقة ما مشاكل الولايات المتحدة العميقة مع الصين وروسيا من خلال مناقشات ثنائية مع قائدي البلدين. وبالنسبة للتغير المناخي، فقد نشر ترامب تغريدة قال فيها إن هذا لم يكن سوى مؤامرة من قبل الصينيين لتقويض الاقتصاد الأميركي. ويعد ترامب بخفض الضرائب، لكنه سيزيد إنفاق الدفاع وسيحل مشكلات المناطق المحرومة في الولايات المتحدة، مثل أبالاتشيا ومنطقة منتصف الغرب من خلال «إعادة الوظائف الأميركية»! ولا شك أن كل واحد من هذه التصريحات غير المسؤولة على نطاق واسع، سيتم وضعه بمفرده تحت الفحص الدقيق بطريقة لم تحدث من قبل. وسيتعين على ترامب الرد على تسونامي من الانتقادات من جانب الصحافة وطبقات الناقدين. وفي أثناء هذه العملية فإنه سيضطر إلى تعديل، إن لم يكن التخلي، عن مقتطفاته الصوتية التي أدلى بها في وقت سابق. وفي هذه الأثناء أيضاً، سيتم اتهامه بأنه يتراجع ويقع في تناقضات جامحة من خلال طريقة تفكيره وفهمه للسياسات المحلية والخارجية الأميركية. لقد كان ترامب من المشاهير على مدار سنوات عديدة. وقد كتب وتحدث بمئات آلاف الكلمات عن كل موضوع تحت الشمس، وربما تعود هذه التصريحات السابقة لتطارده الآن. وترامب، الذي يدرك أن هذا التدقيق قادم، مشغول بمحاولة الظهور بمظهر الرئيس. وهو يعد فريقاً انتقالياً وإحاطات مع كبار رجال الدولة في الولايات المتحدة، ومن بينهم وزيرا الخارجية السابقان جيمس بيكر وهنري كيسنجر. وهنا تتمتع هيلاري كلينتون بميزة عظيمة. لقد كانت موضع تحقيقات مطولة منذ أن قدمت إلى واشنطن باعتبارها السيدة الأولى في عام 1993. كما أنها سبق أن كانت عضواً في مجلس الشيوخ وتبوأت منصب وزيرة الخارجية، لذا فهي ليست بحاجة إلى إحاطة من هنري كيسنجر بشأن السياسة الخارجية. وخلفيتها السياسية، في حين أنها كبيرة، هي خلفية عامة. وما لم تظهر قضية قانونية خطيرة بالنسبة لمشاكل بريدها الإلكتروني مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، فإن استجواب هيلاري سيكون أقل كثافة من العملية التي على وشك أن يواجهها ترامب. فهل يستطيع ترامب أن يصمد أمام هذا الهجوم؟ يظل هذا سؤالاً مفتوحاً. إن من السهل إثارة غضب ترامب، وقدرته على الرد على انتقادات خطيرة كانت حتى الآن طفولية.