لا تنبئ طريقة تعامل إسرائيل مع المبادرات المطروحة للسلام مع الفلسطينيين بأن اختراقاً كبيراً سيحدث على صعيد الصراع الأطول في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، بما يقود إلى إنهائه. وكل ما يلوح في الأفق أن تل أبيب تريد توظيف مبادرة مصرية بنكهة عربية في قطع الطريق على مبادرة فرنسية تراها ورطة لها، وتريد في الوقت نفسه ضخ أي قدر من الدفء في شرايين «التطبيع» المتجمدة بين العرب وإسرائيل، وإن كانت الرهانات والمراوغات الإسرائيلية لا تنفي أن العالم أجمع لم ينسَ أن بقاء القضية الفلسطينية معلقة أمر غير مستساغ، وأنها قضية مركزية لا سبيل إلى إهمالها، حتى لو انشغل الناس بغيرها طويلاً. فبعد خمس سنوات من تواري القضية الفلسطينية في خلفية الأحداث التي انفجرت مع انطلاق هبّات شعبية في عدد من الدول العربية عادت هذه القضية إلى الواجهة، إثر مبادرة فرنسية، يرحب بها الفلسطينيون وترفضها إسرائيل، ومبادرة مصرية أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي متكئاً فيها على مبادرة السلام الشاملة التي اعتمدتها القمة العربية في عام 2002، والتي أقر فيها العرب بأن «السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي». لتعود الجامعة العربية على لسان نائب أمينها العام السفير أحمد بن حلي لترحب بمبادرة السيسي وتراها «فرصة لعودة الزخم للموقف العربي، وتحريكه لدعم القضية الفلسطينية، وفرصة أخرى لإعادة دور مصر من أجل رأب الصدع بين الفلسطينيين وتحقيق المصالحة الوطنية»، فيما ستكون هذه المسألة في مقدمة جدول أعمال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب المقرر يوم 28 مايو الجاري. وعلى رغم أن إسرائيل تتعامل بإيجابية نسبية مع المبادرة المصرية، وهو ما تدل عليه تصريحات وتسريبات تخرج تباعاً من تل أبيب، فإن حكومة نتنياهو لا تبدو جادة في الدخول في مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين، بقدر جديتها في كسب مزيد من الوقت، أو ممارسة حملة علاقات عامة جديدة أمام العالم تظهر أن إسرائيل لا ترفض التفاوض ولا تنبذ طريق السلام. وهي اللعبة التي اعتادت عليها طيلة السنوات ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي كان من نتائجها عقد مؤتمر دولي للسلام في مدريد عام 1991. ولو كانت إسرائيل جادة في السلام لاستجابت من قبل لكل ما ورد في اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، ولكنها، وبعد أن أرهقتهم وانتقصت من حقوقهم في كل المراحل، أغلقت كل الأبواب أمام المرحلة الأخيرة التي كانت ستناقش قضايا السيادة وعودة اللاجئين الفلسطينيين والمياه ووضع مدينة القدس. ولو كانت جادة هذه المرة لتفاعلت بقدر من المرونة والمسؤولية مع المبادرة الفرنسية التي من شأنها إطلاق مؤتمر دولي جديد بشأن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وحتى مبادرة السيسي، التي تستند إلى تصور عربي سابق، لم تبد تل أبيب من العزيمة ما يؤكد جدية التفاعل الإيجابي الخلاق معها، بل إن تعيين ليبرلمان المتطرف وزيراً للدفاع بدا في نظر كثيرين نوعاً من الرد اللاأخلاقي على المبادرة المصرية. لإسرائيل رهاناتها وخياراتها وحساباتها، وهي ربما لا ترى نفسها مضغوطة أو مجبرة على الدخول في تفاوض في وقت تشتعل فيها المنطقة العربية من حولها بحروب وصراعات، بينما يستمر الانقسام الفلسطيني الذي صب في صالحها على مدار عشر سنوات. وكل هذا لا يجعلها مضطرة إلى الجلوس على أي موائد للتفاوض، اللهم إلا إذا كانت ستضمن حدوث اختراق كبير في مسار التطبيع. كما أنه ليس هناك ما يمنع حدوث خمود جديد لهذه الانتعاشة التي أخذتها «عملية سلام» متوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن تجدد الحديث على هذا النحو الواسع، يذكر جميع العرب بأن بقاء الانقسام الفلسطيني، بين «فتح» و«حماس»، لم يعد مقبولاً، وأن جهداً فائقاً يجب أن يبذل أولاً في سبيل إنهاء هذا الوضع الشاذ والضار، قبل أن تؤخذ بجدية أي إشارات إسرائيلية حول السلام، فالفلسطينيون يجب أن يذهبوا فريقاً واحداً في أي تفاوض قادم، وإلا سيخسرون كثيراً.