على مدى العامين الماضيين عمدت دول الخليج العربية على القيام بإصلاحات مالية مهمة للغاية ستكون لها آثار إيجابية كبيرة على الأوضاع الاقتصادية وعلى دعم موارد الدولة وتنويع مصادر الدخل للتحضير لفترة ما بعد النفط، وهي إصلاحات لاقت ترحيباً من العديد من المنظمات الدولية المتخصصة. لقد بدأت هذه الإصلاحات مع إعادة النظر في الإنفاق العام، بما في ذلك سياسات الدعم التي قدمت على مدى عقود طويلة، وبالأخص دعم أسعار الطاقة والمحروقات، كما تم الاتفاق المبدئي على الأخذ بنظام القيمة المضافة اعتباراً من عام 2018. وفي هذا الصدد سارت دول مجلس التعاون الخمس (ما عدا الكويت) بخطى ثابتة وشبه منسقة نحو إحداث التغيرات اللازمة للانتقال إلى أنظمة مالية أكثر حداثة واستجابة لمستويات التطور التي حققتها دول المجلس في السنوات الماضية، حيث يتوقع أن يتم رسم خطوط عامة شبه موحدة للسياسات المالية، وذلك بعد أن تلقت هذه السياسات تفهما ودعماً شعبياً كبيراً من المواطنين الحريصين على مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة واستقرار أوطانهم وغير عابئين بموجات من التشويه والتحريض التي مارستها العديد من القوى والجهات الداخلية والخارجية التي إما أنها تحاول تحقيق مكاسب آنية وانتهازية، أو أنها لا تتمنى الخير والتقدم لدول المجلس. أما فيما يخص دولة الكويت، فإن النظام التشريعي فيها ممثلاً بشكل خاص بمجلس الأمة (البرلمان) وقف حجرة عثرة أمام القيام بهذه الإصلاحات لأسباب انتخابية شخصية خاصة بكل نائب، وذلك رغم محاولات الحكومة الجادة للقيام بالتغييرات الضرورية لمستقبل الكويت الاقتصادي والمالي، وإذا كانت دول الخليج العربي الأخرى قد تجاوزت مراحل مهمة، فإن الدعم لا زال يستهلك موارد مهمة من موازنة الكويت تقدر بأكثر من 18 مليار دولار سنوياً، وذلك بعد أن علق مجلس الأمة الاقتراح الحكومي برفع الدعم عن أسعار الطاقة والمحروقات، ورفض رفع أسعار بعض الخدمات المدعومة، والتي ترهق موازنة الدولة. والحقيقة أن الحكومة الكويتية تملك برنامجاً عملياً ومماثلاً للبرامج الخليجية الأخرى الخاصة بإصلاح المالية العامة، إلا أن هذا البرنامج لا زال جامداً لعدم تمريره من قبل البرلمان هناك، مما أوجد مأزقاً يصعب الخروج منه، وفي الوقت نفسه يفوت فرصة مهمة ذات تأثيرات وانعكاسات إيجابية على المستقبل التنموي للكويت. وبما أن الخيارات المتوفرة للخروج من هذا المأزق محدودة، فإن الحل ربما يكمن في فرض قرارات مهنية بعيداً عن مجلس الأمة، الذي ساهم في زيادة الأعباء على موازنة الدولة من خلال الضغوط التي مارسها الأعضاء لزيادة تكاليف العلاج في الخارج، والتي تضاعفت مرتين خلال عام واحد لتصل إلى مليار ونصف المليار دولار في عام 2015، مقابل نصف مليار دولار في عام 2014، وهو ما يساوي تقريباً قيمة السندات التي صدرت لتغطية العجز هذا العام، علماً بأن معظم هذه الحالات تتوفر إمكانات علاجها في الكويت التي تتمتع بخدمات طبية عالية المستوى. وفيما عدا الإصلاحات المالية، فإن العديد من المشاريع والبرامج الحكومية التنموية المجدية مجمدة بانتظار تصديق مجلس الأمة الذي رفض بعضها دون مبررات منطقية، علماً بأن العديد من أعضاء المجلس قاد عملية تحريض أثناء إضراب عمال النفط في شهر أبريل الماضي، مما شجع العمال على رفع مطالب غير مقنعة، خصوصاً أنهم يتمتعون برواتب أعلى من أي مؤسسات أخرى في الكويت. وبالتالي يمكن الخروج بنتيجة مفادها ضرورة تفهم مجلس الأمة لمتطلبات الكويت التنموية في الوقت الحاضر والتعاون مع مؤسسات الدولة لتنفيذ البرامج الحكومية والتأسيس لأنظمة اقتصادية ومالية يمكن البناء عليها للتحضير لمرحلة ما بعد النفط، وتتماشى مع مثيلاتها الخليجيات لوضع الكويت على نفس المسار التنموي الخليجي الذي يحقق تقدماً- عاماً بعد آخر- من خلال رؤى تم اعتمادها، ويتم تطبيقها لتساهم في البناء الاقتصادي الخليجي المتكامل والمتنوع.