السيد يسين* السيد يسين* الهوية العربية لا ينبغي النظر إليها باعتبارها مسألة ثابتة بل باعتبارها في حالة دائمة من التطور والتحول سواء في علاقتها بذاتها أو بالآخر السيد يسين* في الخريطة المعرفية لمشكلات الهوية التي رسمنا ملامحها من قبل ميزنا بين ثلاثة أنماط من الهويات، وهي الهوية الفردية، والهوية الاجتماعية، والهوية الإنسانية. ويمكن القول إن الهوية العربية تعد نموذجاً مثالياً للهوية الاجتماعية العربية. والسؤال الرئيسي الذي يمكن إثارته بهذا الصدد هو ما الذي يجمع بين الشعب العربي في كل الأقطار العربية وما الذي يفرق بين كل قطر وآخر؟ ويمكن القول إن الحديث عن مقومات الهوية العربية يقتضي منذ البداية اختيار منهج علمي نقدي وتحليلي وجدلي –إذا ما استخدمنا في ذلك مصطلحات الدكتور «حليم بركات» أستاذ علم الاجتماع الشهير والروائي المعروف، والذي أنجز أهم كتاب صدر في المكتبة العربية عن «المجتمع العربي المعاصر: بحث في تغير الأحوال والعلاقات» في طبعته الثانية التي أصدرها عام 2008 مركز دراسات الوحدة العربية. ويمكن القول إن صدور هذا الكتاب منذ طبعته الأولى مثل حدثاً فكرياً بارزاً لأنه أوفى مرجع صدر بأي لغة من اللغات عن المجتمع العربي المعاصر بمنهج تكاملي فريد لم يترك أي جانب من جوانب الموضوع لم يشمله بالتحليل والنقد على السواء. وفي تقديرنا أن المنهج الذي اصطنعه «حليم بركات» في دراسة الهوية العربية يستحق أن نشير إليه مستخدمين في ذلك لغته الخاصة، ولذلك نعتذر مقدماً عن هذا الاقتباس الطويل من كتابه. يقول د. حليم بركات: «.. نطمح إلى أن يكون المنهج الذي نعتمده في تحديد الهوية النقدية هنا منهجاً نقدياً تحليلياً جدلياً يشدد على ما يلي: 1- نسعى إلى تحليل عناصر التوحّد (كالسمات العامة أو الخصائص التي تميز الأمة وتعطيها شخصية متفردة عن غيرها، والثقافة والمصالح الاقتصادية والقيم الأخلاقية والمبادئ) ليس على مستوى التنظير المجرد، وعلى أنها عناصر منفردة، بل نتناولها في سياق العمل المشترك وفي التاريخ والمجتمع وليس خارجهما. 2- نقبل، بل ونقدر، أهمية تعدد الهويات ضمن الهوية العامة المشتركة، إننا نرى في التنوع مجالاً لإغناء تجربة الوحدة إذا ما عرفنا كيف نوفق بين مفهومي التعدد والوحدة في مناخ من الاحترام المتبادل. في مقولة التعدد هذه لا نكتفي بالتشديد على التسامح فحسب، بل نذهب أبعد من ذلك فندعو إلى تعلم احترام حقوق الآخر، ومنها حق المغايرة والاختلاف، ولتكريس ذلك في صلب فهمنا لمعنى الهوية القومية. ننظر إلى الهوية على أنها في حالة دائمة من التطور والتكون أو التحول. إنها كينونة مستمرة شكلاً ومضموناً، ومن حيث علاقتها بذاتها وبالآخر. والحديث عن الهوية يقود بالضرورة إلى رسم حدود بين الذات والآخر. نرسم دوائر حول الذات، وقد تكون الدوائر أو الأفق، منفتحة على الآخر أو منغلقة على ذاتها، مرنة أو متصلبة، متسامحة أو متعصبة. لذلك لابد من أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي، وأن نتوصل إلى جواب مقنع: ما هي نوعية الحدود التي نريد أن نقيمها بيننا وبين الآخر؟ هناك علاقة وثيقة متبادلة بين مواقع الأفراد والجماعات في البنية الاجتماعية الاقتصادية في تحديد الهوية القومية. إن الجماعات التي تحتل مواقع وتهيمن على النظام وتستفيد من العلاقات مع القوى الخارجية المهيمنة تختلف في فهمها للهوية القومية وممارساتها عن تلك الجماعات التي تشغل مواقع وتكون أكثر تضرراً بسبب الأوضاع القائمة، وتلك التي تقع في الوسط، أو بين بين. من هنا خطأ الحركات القومية في مقاومتها الاعتراف بفكرة الفروق الطبقية خوفاً من أن يأتي الصراع الطبقي على حساب الصراع القومي» (الفصل الثاني من الكتاب صفحات 57 وما بعدها). والواقع أن كل مبدأ من المبادئ التي انطلق منها «حليم بركات» في مناقشته للهوية العربية يحتاج إلى تحليل، فهو في المبدأ الأول يشدد على أن تحليل عناصر التوحيد كالسمات العامة التي تميز الأمة وتعطيها شخصية متفردة عن غيرها ينبغي تداولها في سياق العمل المشترك وفي التاريخ. بمعنى التمييز بين الحقب التاريخية المختلفة، وفي المجتمع بمعنى دراسة الحالات العينية للمجتمعات العربية. ولا شك أن المبدأ الثالث بالغ الأهمية لأنه يشير إلى أن الهوية العربية لا ينبغي النظر إليها باعتبارها مسألة ثابتة، بل باعتبارها في حالة دائمة من التطور والتحول سواء في ذلك في علاقتها بذاتها أو بالآخر. * كاتب ومفكر- مصر