تتابعت مؤشرات التطرف الإسرائيلي ممثلاً في حكومة نتنياهو في الآونة الأخيرة سواءً في الموقف من التسوية الذي يساوي من الناحية العملية رفض حل الدولتين، أو في حماية المتطرفين الذين ينتهكون حرمة المسجد الأقصى دون رادع، أو في الوحشية التي تواجه بها القوات الإسرائيلية شباب فلسطين المنتفض ضدها، وأخيراً وليس آخر الإعلان عن نية الاحتفاظ بالجولان إلى الأبد! غير أن الجديد بالنسبة لنا أن يشهد وزير «ليكودي»، ناهيك عن أن يكون وزير الدفاع، على تطرف الحكومة الإسرائيلية وعنصريتها. وقد يقول قائل إن موشيه يعلون الذي قدم استقالته من منصبه مدفوع فيما قاله بالغضب من نتنياهو الذي كُشفت رغبته في إسناد المنصب إلى أمير التطرف أفيجدور ليبرمان، لكن الأول عرض على يعلون منصب وزير الخارجية، وهو بدوره منصب رفيع ولو كان في سلوكه قدر من الانتهازية لقبل المنصب، غير أنه فضل أن يسجل موقفه بوضوح ليكون شهادة شاهد من أهلها على درجة التطرف والعنصرية التي وصل إليها الحكم في إسرائيل، فماذا قال؟ مع إعلانه استقالته من منصبه وجه يعلون انتقادات شديدة لنتنياهو، واتهمه باتباع سياسة يمينية متطرفة وتمييز عنصري، وقال إنه لم يعد يحتمل رؤية آفات العنصرية وهي تتغلغل في المجتمع وتتسرب إلى الجيش، وإنه لم يعد قادراً على الصمت إزاء أسلوب القيادة السياسية الحالي البعيد عن القيم والأخلاق وأضاف: «لأسفي الشديد وجدت نفسي مؤخراً أخوض معارك وصراعات شديدة مع رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وأعضاء الكنيست، وصارعت بكل قوّتي مظاهر التطرف والعنف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي التي تهدد مناعته وتتغلغل إلى الجيش الإسرائيلي أيضاً وتلحق ضرراً بنا». والخطير فيما سبق أن مَن خلَف يعلون في المنصب هو ليبرمان أي أن التطرف والعنصرية في طريقهما إلى التفاقم. ولا ننسى أن ليبرمان هو الذي صرح في العام الماضي بأن الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل «يستحقون قطع الرأس بالفأس» إذا لم يكونوا موالين لإسرائيل! كما أنه اشتهر بتهديده بقصف السد العالي في حالة نشوب حرب مع مصر، ولذلك لم يسمح له بدخول مصر طيلة فترة عمله كوزير للخارجية. ويزداد التطرف تفاقماً عندما نعلم أن الإرهابي يهودا جيليك سيحل محل يعلون في الكنيست الإسرائيلي وهو ناشط حركات «الهيكل» المتطرفة. ولا يدري المرء هل يتوجس خيفة أم يتفاءل بالمستقبل؟ يتوجس خيفة لأن التطورات السابقة دون شك تحمل في طياتها مزيداً من سُعار التطرف في السياسة الإسرائيلية سواء تجاه الفلسطينيين أو قضايا التسوية العالقة في الصراع العربي الإسرائيلي، وللعلم فإن هذا التوجس ليس قاصراً علينا إذ يشاركنا فيه الجميع وإن من منطلقات مختلفة، ففي إسرائيل أعرب نواب في المعارضة عن قلقهم الحقيقي من مغادرة يعلون وقدوم المتطرف ليبرمان إلى وزارة الدفاع. ورأى النائب يوئيل حسون أن الاستقالة تحمل رسالة واضحة لمواطني إسرائيل مفادها أنهم لن يستطيعوا النوم في الليل (إشارة إلى أن السياسات المتطرفة تؤدي إلى ردود فعل متطرفة)، وأن مصيرهم مرهون برئيس حكومة مستهتر وعديم المسؤولية، فيما اعتبرت زعيمة «ميرتس» اليسارية أن الاستقالة تزيل آخر الحواجز أمام خطر الحكم الديكتاتوري لنتنياهو. أما التفاؤل بالمستقبل فيعود إلى أنه باستمرار إسرائيل في السير قدماً في طريق التطرف تبدو في طريقها إلى الصعود للهاوية، فالتطرف يزيد من انقسام المجتمع في إسرائيل وإن كان يتوحد في مواجهة الأخطار الخارجية، وهو يؤدي إلى المزيد من العزلة الدولية لإسرائيل والتي بدأت مؤشراتها تزداد وضوحاً منذ مدة ليست بالقليلة. وتمثل ذلك في القبول المتزايد من قبل المجتمع الدولي لدولة فلسطين كما ظهر في قبول عضويتها في اليونسكو وتمتعها بوضع الدولة المراقب في الأمم المتحدة، واعتراف المزيد من الدول بها، ويُشار إلى مثال السويد في هذا الشأن، ودعوة برلمانات عديد من الدول الأوروبية المهمة حكوماتها إلى الاعتراف بدولة فلسطين وتنامي حركتي المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية لإسرائيل. كما عبر عديد من الدول الغربية والأميركية اللاتينية عن التخوف من التطورات الأخيرة في إسرائيل. غير أن هذا كله لن يجدي إذا ثابر الفلسطينيون على انقسامهم واستمر تراجع القضية الفلسطينية على سلم الأولويات العربية.