أسابيع قليلة، وتعود معركة رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي خارج عاصمته في «كيجالي – رواندا»، بعد أن أعلنت السيدة «ديلاميني زوما» عدم نيتها ترشيح نفسها مرة أخرى، بعد خدمتها لمرة واحدة في منصبها منذ منتصف 2012. ونقول إنها «معركة» لأن السيدة «زوما» جعلت من المنصب فعلاً مكاناً مرموقاً أصبح جديراً بالتنافس حوله، كما أن المعركة تأتى في ظل معركة أخرى تنتظر السيدة «زوما» في جنوب أفريقيا نفسها، إزاء ترشحها من قِبل قوى عديدة هناك للأمانة العامة لحزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، ومعركتها عام 2017 تمهيداً لرئاسة الدولة – لمن ينجح – عام 2019. وجنوب أفريقيا ليست بالدولة البسيطة، وقد قاتلت في الدورة السابقة عام 2012 ضد نيجيريا القوية أيضاً. وكنا نتصور أن تحافظ السيدة «زوما» على الموقع، استمراراً لقيمته لجنوب أفريقيا الدولة، ولكن ها هي السيدة الحديدية ترى في الطريق إلى رئاسة جنوب أفريقيا منتجاً أفضل لها ولبلادها، وهي طموحة بطبيعتها كوزيرة داخلية سابقة. ويبدو أن إغراء تتابع معركة رئاسة الدولة، عقب معركة السكرتارية العامة للتنظيم الأفريقي خاصة، له قيمة عملية لم تحدث كثيراً في منظمات أخرى مثل الأمم المتحدة أو الجامعة العربية. وها هي السيدة «ديلاميني زوما» تترك منصباً مرموقاً بهذا الشكل إلى التنافس – غير الآمن في النهاية – مع رجل قوي في جوهانسبرج هو «سيريل فوموزا»، حول منصب الرئاسة للدولة القوية في أفريقيا. والسيدة «زوما» تتطلع للمنصب في بلدها بقوة تلفت النظر أولاً إلى معنى استمرار قوة بيروقراطية في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومنظماته الجماهيرية (المرأة – الشباب – قدامى المحاربين). أما القوة الأخرى التي كنا – وما زلنا- نتصور أنها الأكثر نفوذاً، فهي قوة الرأسمالية الحديثة (المسماة بالسوداء)، والرأسمالية البيضاء التي تفاوضت معه شخصياً على التحول الكبير في جنوب أفريقيا بمشاركة «ثابو مبيكي»، إذن فإن خريطة الصراع الأكثر جاذبية في الفترة المقبلة ستكون أمتع للمتابعة في جنوب أفريقيا، وأكثر دلالة على معنى الدولة الديمقراطية الليبرالية، أكثر منها في صراع شكلي نسبياً في الاتحاد الأفريقي. وحتى الآن تبدو الصورة مثيرة أيضاً، حيث يتحرك الترشيح الجزائري للسيد «رمضان العمامرة» وزير خارجيتها بثقة أكبر، بسبب هدوء نيجيريا عن العودة للمنافسة، وكون انعقاد القمة المقبلة في «رواندا» لايدفعها للرئاسة، لأن دورة الوسط الأفريقي قد تمت مع «الجابون» من قبل، ولم يبق إلا ترشيح الجنوبيين لمرشح شكلي (بتسوانا) تطلعاً لدورة ثانية لمصلحة منطقة الجنوب! ومن حسن حظ الجزائر إذن أن تكون مرشح الشمال العربي الأفريقي لأول مرة في منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي، وأن المغرب- ذي النفوذ حالياً في القارة – منسحب من المنظمة بسبب صراع الصحراء واعتراف الاتحاد الأفريقي «بالبوليساريو» عضواً، والأزمة الآن في مستوى الأمم المتحدة، وليس مجرد الاتحاد الأفريقي. ولذا يبدو تأثير المغرب محتملاً مع مجموعة «الفرانكفون» لأي عملية تعطيل تنشأ في طريق الجزائر هذا الترشيح من الشمال العربي الأفريقي، جدير أن يجد دعم المجموعة العربية في القارة، بل وأصدقائهم، خاصة أن ثمة اعتقاداً الآن أن يكون الأمين العام (رئيس المفوضية) قوياً من الناحية السياسية عكس الاعتقاد السابق بألا يكون من دول القوى الإقليمية!، وهنا يخشى بعض المعلقين من استمرار تأثير الصراع الجزائري المغربي على مواقف مصر وتونس وموريتانيا. المعركة في الاتحاد الأفريقي، بحكم التكوين البيروقراطي الذي تقوم عليه مثل هذه المنظمة، تشغل الرأي العام الأفريقي عن مواقع التدمير الأساسي لهيبة المنظمة نفسها إزاء مواقفها من قضايا مهمة أخرى. فهناك الصراع المحلي والإقليمي في جنوب السودان، أو الصومال، أو بوروندي، ناهيك عن المعركة مع الإرهاب. وهذه الصراعات تصطدم بمواقع مثيرة لصراعات أخرى، مثل وضع إثيوبيا في الصومال، أو حساسية القمة الأفريقية المنعقدة في رواندا، بينما المطلوب قوات سلام أو «تدخل» في بوروندي، وثمة صراع حول دور فرنسا في غرب أفريقيا، والموقف في أفريقيا الوسطي وبوركينا فاسو. أما قضية الإرهاب الممتد والذي أصبح معولماً بوصول «بوكو حرام» حتى «سرت» في ليبيا، فإنها تثير تساؤلات لاحدود لها عن القوى الكبرى وتجارة السلاح الدائرة في الصحراء الكبرى. القمة الأفريقية المقبلة إذن ليست حول صراعات الاتحاد الأفريقي، ولكنها‏ حول ? ?صراعات? ?قارية ?عميقة? ?الجذور،? ?نتذكرها? ?في? ?يوم? ?أفريقيا? ?السنوي? ?25? ?مايو.