كرّس المؤتمر السابع لحزب العمال الكوري الشمالي (الحزب الشيوعي)، الذي انطلق مؤخراً، سلطة وسطوة زعيمه «كيم جونج- أون». لكنّ ما يمكن اعتباره هناك انتصاراً وطنياً ترافق مع حالة استياء عارمة على صعيد عالمي: فهذا الزعيم المتقلّب يحكم بلداً جائعاً، وخراباً، لكنه يمتلك السلاح النووي، ولذا فالسؤال هو: أليس من الوارد أن يتسبب في كارثة استراتيجية إن قرر استعمال ترسانته، على نحو ما يهدد ويتوعد بذلك بانتظام؟ و«كيم» يمسك مقاليد السلطة منذ 2011. وقد خلف والده «كيم جونغ إل»، الذي تولى هو أيضاً مقاليد الحكم بعد والده «كيم إيل- سونج» مؤسس النظام في نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا النظام هو النموذج الوحيد للاشتراكية الوراثية في العالم. وكوريا الشمالية تعد أحد آخر النظم الشيوعية على مستوى الكوكب، كما أنها أحد آخر النظم السلطوية التي لا توجد فيها أية حريات عامة أو خاصة. وفوق هذا، وبخلاف الصين وفيتنام، لم تخطُ كوريا الشمالية أية خطوة باتجاه الانفتاح الاقتصادي. وبالمجمل فنظامها يبدو نظاماً من زمن غير هذا الزمن، وهو، بكلمة أدق، موروث من مخلفات الماضي، ومشهد باق من متعلقات تركة الحرب الباردة. ولأن الزعيم الجديد تلقى تعليمه في سويسرا، كان كثيرون يأملون أن ينتهج مواقف أكثر انفتاحاً، مقارنة بأسلافه. لكن لا شيء من ذلك تحقق. فقد أعدم مئة من كبار المسؤولين في الحزب، وجنرالات، من بينهم عمه الذي ساعده في الوصول للسلطة. ومع مجيئه للحكم بادر بإجراء تجربتين نوويتين وأرسل قمرين صناعيين إلى المدار، وذلك لإظهار أن كوريا قد امتلكت بالفعل صواريخ عابرة للقارات. وبالنسبة للحزب، من المعروف أنه لم يعقد أي مؤتمر عام منذ سنة 1980. وفي بداية الخمسينيات، وتحديداً من 1950 إلى 1953، عندما كانت شبه الجزيرة الكورية هي ميدان الصراع الأكثر دموية خلال الحرب الباردة، كانت الكوريتان على قدم المساواة في كثير من المؤشرات. لكن منذ ذلك التاريخ، زاد اتساع الهوة بينهما بشكل بالغ العمق والدلالة. فقد تدمقْرطت كوريا الجنوبية، وشهدت تجربة صعود تنموي مشوقة، لتصبح الدولة رقم 14 من حيث الناتج المحلي الخام على مستوى العالم. بينما بقيت كوريا الشمالية متخلفة تنموياً، بل ما فتئت تواجه متاعب جسيمة حتى في توفير الغذاء لسكانها. فالقادة المتنفذون ووجهاء النظام، والقوات الأمنية، وحدهم من يمتلكون ترف الحصول على مستوى مقبول من الاستهلاك وتوافر الطعام. وعلى عكس ما تزعمه دعاية النظام فليست هناك تنمية اقتصادية موازية لتقوية الجهد العسكري المحموم. والراهن أن هذه الفجوة الهائلة بين تفاقم الكارثة الاقتصادية وفرط القوة العسكرية هي ما يثير مخاوف العالم أجمع. وكيم جونج أون لا يفعل شيئاً سوى تكثيف الاستفزازات والتهديدات بشكل منتظم، وهو يرفع قفاز التحدي ضد ابن العم الكوري الجنوبي، وضد الجار الياباني. وقد بلغت الأمور حداً دفع الصين، الحليف الوحيد لبيونج يانج، إلى الشعور بالسأم، فقررت التصويت لمصلحة العقوبات التي قررتها الأمم المتحدة بعد التجربة النووية الأخيرة. ومع هذا فالصين لا تريد التخلي عن كوريا الشمالية، حتى لا ترى جنوداً أميركيين يرابطون على حدودها هي في حال توحُّد الكوريتين. وبغض عن النظر عن الإيماءات الكورية الشمالية المتواترة، من غير المرجح أن يقدم كيم على تنفيذ تهديداته الحربية. وهو، لو انخرط في صراع مسلح، بمقدوره إيذاء كوريا الجنوبية، وكذلك اليابان التي تدخل هي أيضاً في مدى الصواريخ الكورية الشمالية، وسيلحق بهما أضراراً رهيبة، لكنه هو سيُمنى بالهزيمة حالاً. فكوريا الشمالية لا تملك وسائل تسمح لها بالصمود طويلاً في مواجهة البلدين، المرتبطين عسكرياً بالولايات المتحدة. ولن تأتي الصين لنجدتها طبعاً، وستكون تلك نهاية النظام الكوري الشمالي. وعلى حساب التنمية الاقتصادية، وفرص توفير الحاجات الضرورية للسكان، قرر النظام المضي في بناء ترسانته النووية، لتحصين نفسه: فالقادة الكوريون الشماليون يعتقدون أن صدام حسين والقذافي لو كانا قد امتلكا أسلحة نووية لبقيا في السطلة حتى اليوم. والأرجح أن النظام الكوري الشمالي سيواصل إطلاق التهديدات الجوفاء ضد جيرانه، دون أن يقدم على وضعها موضع التنفيذ. والسؤال الحقيقي يكمن في معرفة مدة الزمن التي يمكن أن يستمر بها النظام في معزل عن تأثيرات العولمة، ودون أن تجد أخبار العالم الخارجي طريقها للنفاذ إليه في النهاية.