أجريت لقاءً مع «روبرت هيفنير»، المدير السابق للمعهد الثقافي والديني والعلاقات الدولية CURA وأستاذ علوم الإنسان والثقافة في جامعة بوسطن، الذي ألّف ما يربو على 18 كتاباً جامعياً في مجالات اختصاصه. وكان السؤال الأول الذي طرحته عليه يتعلق بالدور الذي يلعبه الدين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وأشار في إجابته عنه إلى أن تلك السياسة تتأثر بشكل كبير بدور رجال الدين، ووفقاً لأساليب معقدة ومتشابكة. وفي عام 1998، تأسست اللجنة النيابية المنبثقة عن الكونجرس تحت اسم «هيئة الولايات المتحدة للحرية الدينية العالمية»، التي تركزت توصياتها على إعطاء مسألة الحريات الدينية ما يكفي من الاهتمام في السياسة الخارجية الأميركية. وتتألف «الهيئة» من مسؤولين من الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، ويتم اختيار أعضائها من طرف الرئيس بعد التشاور مع القيادات العليا في الحزبين. وهي تعمل على جمع التقارير الواردة إليها من سفارات الولايات المتحدة، وتعيد تحريرها ونشر ملخصات عنها سنوياً. ولقد أثارت هذه الملخصات ذات مرة مشكلة مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية عندما أعلن بعض أعضاء السلك الدبلوماسي بأن الاهتمام بالحرية الدينية لا بد أن يتوازن مع قائمة من الحقوق والمصالح الأخرى. وبالإضافة لهذه التركيبة الحكومية الرسمية، فلقد تبيّن أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تتأثر بشكل كبير باللوبيات والمنظمات غير الحكومية من التي يضع بعضها المصالح الدينية في مقدمة الاهتمام. وحول سؤال يتعلق بأبرز ثلاثة توجهات «للإسلام المتطرف» في آسيا، أشار «هيفنير» إلى أن التوجّه الأول هو الذي يمثله تنظيم «داعش» بعد أن تمكن من تأسيس شبكة من النشطاء ووظف بعض المصادر الإعلامية لخدمة أهدافه في آسيا، وكان أكثرها خطورة هي تلك التي تعمل في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية. وستواصل هذه الشبكة تنفيذ هجمات شبيهة بتلك التي شهدتها جاكارتا في شهر يناير 2016. ويتعلق التوجه الثاني بتغلغل الإسلام المتطرف في شرق وشمال شرق آسيا على الرغم من أنه سيكون ذا تأثير أضعف مما هو في وسط وجنوب القارة. وفي حقيقة الأمر، تقدم بلدان مثل إندونيسيا أمثلة واضحة حول طريقة الجمع بين الإجراءات الأمنية الفعالة من جهة، والتعامل السياسي مع المجتمع الإسلامي على المدى الأوسع من جهة ثانية، وبما يملأ الفراغ الذي يحاول كل من تنظيمي «داعش» و«القاعدة» استغلاله لإثارة الخلاف والشقاق بين هذه الأطراف. ويتعلق التوجه الثالث والأكثر وضوحاً في أن التطرف الإسلامي، وبعد أن انهار مشروع الدولة المزعومة الذي تبناه تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، فسوف يتحتم على آسيا أن تولي أقصى الاهتمام للمقاتلين الجهاديين العائدين إليها. ونحن نتذكر كيف أن عملية مشابهة حدثت في أفغانستان بعد انسحاب الروس وتطلب الأمر عدة سنوات لاحتواء المتطرفين الإسلاميين العائدين إلى أوطانهم. وربما يمتد هذا التحدي الذي يواجه آسيا لفترة مماثلة. وحول الأمور التي ينبغي على الرئيس المقبل للولايات المتحدة أن يفهمها حق فهمها فيما يتعلق بالرموز والدلالات الدينية التي يجب الانتباه إليها في الخطاب الاستراتيجي، يرى «هيفنير» أن التحدي الأكبر الذي سيواجه الرئيس المقبل يتعلق بالنجاح في عدم التعرض للرموز الدينية بشكل عام، وأن يواجه التطرف الإسلامي بأسلوب يضمن عدم استثارة غضب المجتمع الإسلامي العالمي على أميركا وحلفائها وأصدقائها. وعلى الرئيس المقبل أن يُظهرمن المهارة والشجاعة الخطابية ما يكفي لاحتواء الضرر الناتج عن مواقف السياسيين الذين لا يتورعون عن الجهر بعدائهم للمسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وأشار «هيفنير» إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في أن الولايات المتحدة لا تستند إلى نهج محدد لمعالجة التطرف الديني. ميرسي كيو: عضو استشاري في مركز «الحوار الصيني» - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبون نيوز سيرفس»