لا يحتاج الناخبون البريطانيون من الأميركيين أن يخبروهم كيف يصوتون في استفتاء 23 يونيو المقبل، وأنا شخصياً لا أجرؤ على محاولة ذلك. لقد كنت أحمل دائماً إعجاباً كبيراً بالشعب البريطاني، وبتقاليد بلاده الديموقراطية العريقة، واعتقد أن الكثيرين من الأميركيين يشاطرونني هذه المشاعر. كل ذلك يدفعنا نحو «اليانكي» لمراقبة الحملة السابقة على الاستفتاء عبر الأطلسي عن كثب، وباهتمام شديد، خصوصاً من قبل البعض منا ممن لديهم علاقات خاصة، وعلاقات تجارية وطيدة مع بريطانيا. ولكن هناك أشياء أكثر من ذلك بكثير- اقتصادية وسياسية- ستكون على المحك في استفتاء الشهر المقبل، بالنسبة للبريطانيين في المقام الأول وللأميركيين، وبقية العالم بعد ذلك، وإذا أخذنا في الاعتبار الشعور بعدم اليقين، المتعلق بالتأثير المحتمل للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فإن التصويت على الخروج يمثل مخاطرة لا شك فيها، والسؤال هنا: هل تلك المخاطرة تستحق الإقدام عليها؟ باعتباري مؤسساً لمشروع متخصص في البيانات المالية، والأخبار، والتحليلات، قمت بإجراء تقييم دقيق لمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتوصلت إلى خلاصة مؤداها أن المخاطر التي ينطوي عليها هذا الأمر تبعث على الانزعاج الشديد في الحقيقة. لا يستطيع أحد أن يجزم ما إذا كان التصويت بـ«الخروج» سيؤدي إلى تقليص صناعة الخدمات المالية المزدهرة في بريطانيا، والتي تمثل ما يقرب من 12 في المئة من ناتجها الاقتصادي، وتمثل في الآن ذاته الكتلة الكبرى من قاعدة زبائننا، ولكن في مناقشاتي مع رؤساء البنوك وغيرهم من قادة الصناعة المالية البريطانيين، أدركت أنهم ينظرون إلى الخروج البريطاني، على أنه سيؤدي لتعقيدات خطيرة، يمكن أن تؤدي لانتقال الوظائف من بريطانيا إلى القارة الأوروبية بمرور الوقت. ولعل هذا يفسر السبب الذي يدعو البعض في مدن مثل باريس وفرانكفورت لتمني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. تبني بلومبيرج في الوقت الراهن مقراً أوروبيا رئيسياً لنشاطها في لندن، ومهما كانت نتيجة التصويت، فنحن ملتزمون بالبقاء في بريطانيا، ولكن إذا ما حرك بعض زبائننا عملياتهم عبر القنال الإنجليزي، فقد نحتاج نحن أيضاً لتحريك المزيد من الموارد والأفراد في هذا الاتجاه أيضاً. وأخشى أن خروج بريطانيا سيترك موظفي شركاتنا البريطانيين أسوأ حالاً، فلا أحد يعرف كيف ستؤدي بريطانيا في المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، ولكننا ندرك أن بروكسل ستحاول بالطبع استخدام نفوذها الكبير في تلك المفاوضات، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن بريطانيا أكثر اعتماداً على الاتحاد الأوروبي في مجال الصادرات من اعتماد الاتحاد الأوروبي عليها. ومن الصعب في اللحظة الحالية التنبؤ بالثمن الذي يتوقعه قادة الاتحاد الأوروبي، ولكن من المرجح أن الرغبة في ردع دول أخرى عن الانفصال- ناهيك عن الفرصة لمعاقبة منافس قديم- ستثنيهم عن النظر بعين العطف إلى بريطانيا، وحتى إذا ما توصلت بريطانيا إلى شروط عادلة، فإن وضع هذه الشروط موضع التنفيذ قد يستغرق أعواماً طويلة، مما قد يجعل العائلات البريطانية تشعر بآلام ذلك في العقد القادم. هذه هي المخاطر التي اعتبرها مقلقة، بصفتي رائد أعمال استثمر بكثافة في بريطانيا، وباعتباري أميركيا خدم في مناصب عامة، ورأى عن كثب أهمية التعاون الدولي، فإن احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعد أكثر إثارة للقلق من وجهة نظري. ففي وقت تتعرض فيه الديموقراطيات الليبرالية لتهديدات من جانب الإرهابيين المعادين للغرب، يغدو من الأهمية بمكان أن نعمل على تنسيق أعمالنا في مجال السياسات الأمنية والاستخباراتية بوجه خاص، ولكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيقلص قدرتها على القيادة التي كانت تتمتع بها في هذه الأمور، وسيتركها هي والولايات المتحدة وبقية العالم في وضع أكثر ضعفاً لا يمكنها من المواجهة الفاعلة للإرهاب، ولا تعزيز التجارة، ومواجهة كل التحديات العالمية، بما فيها تحدي التغير المناخي. وفي مواجهة التهديدات الخارجية، والمشكلات الاقتصادية الداخلية من المحتمل أن يقوم البعض بالانسحاب من الشؤون الدولية، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص كان الانسحاب من التجارة عبر الحدود موضوعاً يتناوله المرشحون من الحزبين الرئيسيين على الدوام، وأحد هؤلاء المرشحين، بوجه خاص، وهو دونالد ترامب، تمادى في ذلك. وجعل من جيراننا الأجانب ومنافسينا كباش فداء، وفي الآونة الأخيرة قال ترامب إنه لو قدر له أن يدلي بصوته في الثالث والعشرين من يونيو القادم - موعد الاستفتاء البريطاني- فإنه سيصوت على الخروج. أنا لا أنصح الناخبين البريطانيين بشأن الكيفية التي يجب أن يصوتوا بها، ولكن الشعب البريطاني والعالم استفادوا لقرون عديدة، استفادة هائلة من بريطانيا الواثقة من نفسها، والمتطلعة للأمام، والمنفتحة على العالم. ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مايكل آر. بلومبيرج * *عمدة نيويورك السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»