شهدت البرازيل في الآونة الأخيرة تطورات متسارعة، حيث عُزلت الرئيسة ديلما روسيف مؤقتاً من منصبها، بموجب قرار من البرلمان، وتنتظر حالياً حكم المحكمة المنوط بها النظر في إجراءات عزلها. وبناء على قرار البرلمان أيضاً أصبح نائبها ميشال تامر رئيساً مؤقتاً للبلاد. والعملية التي أفضت لتغيير القيادة في البرازيل، نالت من معظم الأطراف في الحقيقة: فالحكومة فقدت مصداقيتها، والمعارضة نُظر إليها على أنها قامت بمحاولة انتهازية للاستيلاء على السلطة، أما الشعب البرازيلي فقد بات في حيرة من أمره لأن محاكمة الرئيسة بدت كالمخدر الذي يحقن به المريض قبل العملية الجراحية، وليس العملية ذاتها التي كان يتوقع أن تجد حلًا للوضع المتأزم في البلاد. ولشهور عدة، عاشت أغلبية البرازيليين وهي تتوقع أنه بمجرد أن تغادر روسيف منصبها، فإن البرازيل ستبدأ في التفكير في إيجاد علاج للعلل السياسية والاقتصادية التي تعاني منها. ومع هذا ينبغي القول إن الفرصة المتاحة أمام الحكومة الجديدة لتحقيق بعض النتائج تبقى فرصة ضئيلة، في الأساس، وخصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن «حزب العمال» الذي تقوده روسيف قد تعهد بالعمل على تعويق أي إصلاح مقترح من قبل الحكومة الجديدة. وتشكيلة مجلس وزراء تامر المكون حديثاً لها دلالتها. فالبرازيل فيها ما يزيد على 30 حزباً، كلها تطالب بأن يكون لها نصيب من التشكيلة الوزارية، حتى تقدم دعمها للرئيس المؤقت، وهو دعم يحتاجه تامر بشدة كي يتمكن من تمرير أي إصلاح مقترح في الكونجرس. ولكي تواجه روسيف هذا الوضع فقد اضطرت لتشكيل مجلس وزراء يتكون من 39 وزارة، حتى تتمكن من تلبية احتياجات الأحزاب من المناصب، وتخلق ائتلافاً قابلاً للاستمرار. أما تامر فقد قرر أن يخفض العدد إلى 23 وزارة فقط كي يجعل الوزارة أكثر مرونة، وهو مطلب رئيسي ودائم من مطالب الشعب البرازيلي. ولكنّ هناك ثمناً يتعين على تامر دفعه نظير تخفيض عدد الوزارات: فهو في هذه الحالة، لن يتمكن من عرض المناصب سوى على الشخصيات الأكثر قوة في الكونجرس، الذين تصادف أنهم من الأعضاء البيض، الأثرياء، الأكبر سناً. وهذا الأمر يتوقع أن يوفر الوقود اللازم الذي يحتاجه منتقدوه، الذين يطالبون بتشكيلة حكومية متنوعة وأوسع نطاقاً، تضم النساء والأقليات، في حكومة أكثر تمثيلاً لمكونات الشعب. يشار إلى أن الشخصية المركزية في التشكيلة الوزارية الجديدة، هي شخصية «إنريكي ميريليس» الذي اختاره تامر كي يصبح وزيراً للاقتصاد في حكومته، وقد سبق له أن شغل منصب رئيس البنك المركزي البرازيلي في عهد الرئيس «لولا دا سيلفا». وهناك وزير آخر في مجلس وزراء تامر يطمح إلى المنصب الرئاسي أيضاً هو «خوسيه سيرا» عضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وسيناتور ولاية ساوباولو في مجلس الشيوخ، الذي اختاره تامر لشغل منصب وزير العلاقات الخارجية. يشار في هذا السياق إلى أنه ليس هناك منصب فقد أهميته في حكومة روسيف، بالقدر الذي حدث مع هذا المنصب. وهو يحظى بأهمية استراتيجية، ويمكن أن يمنح «سيرا» المنصة المناسبة تماماً، لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2018. وتشكيلة مجلس وزراء تامر الجديد، تعني أنه يراهن على تحقيق التعافي الاقتصادي في المدى القصير، من أجل تأمين الدعم الضروري لبقائه في السلطة، وتعزيز الإصلاحات في النظام السياسي في مرحلة لاحقة. وإذا لم يتمكن تامر من إجراء التغييرات الضرورية، التي تتطلبها البلاد فهناك احتمال لأن يفقد قاعدة دعمه، ويدفع حلفاءه بالتالي لتأييد عودة روسيف. ومع إقدامه على أي خطوة في غير محلها، يمكن لتامر أن يواجه غضباً شعبياً لا يقل عن ذلك الذي واجه روسيف. فالشعب البرازيلي متلهف للانتهاء من عملية محاكمة الرئيسة، كما أن الحكومة المؤقتة بحاجة إلى استغلال حالة الخدَر المؤقت السائدة التي خلقتها عملية المحاكمة. والأمل معقود على أن العناية التي سيحظى بها «المريض» عقب تلك العملية، لن تكون سبباً في حدوث المزيد من التعقيدات. مويزيس كوستا: باحث ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»