في عام 2001، أصبحت كلمة «بريكس» BRICS المشتقة من الأحرف الأولى لخمسة بلدان، تستخدم من طرف الاقتصاديين للتعبير عن القوى الصاعدة الجديدة وتأثيرها على الأسواق العالمية. وكانت تجمع أربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا. وهي التي تمكنت من تحقيق معدل نمو اقتصادي مثير للإعجاب، وكانت تسير بخطى وئيدة باتجاه العصرنة والتطور. واستفادت الدول الأربع من تزايد اتفاقيات التجارة الحرّة مع بقية دول العالم ذات النهم الشديد لموادها الأولية المصنّعة وسلعها المصدّرة. وحققت كلها نجاحاً في تضييق الهوّة بين سكانها الأثرياء والفقراء، ورفعت أصواتها للاعتراض على ممارسات العديد من المؤسسات الدولية التي تسيطر عليها الدول الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي عام 2010، أضيفت جنوب أفريقيا إلى القائمة. ومنذ ذلك التاريخ، كانت دول «بريكس» تعقد اجتماعات سنوية على مستوى القمة لتقييم أوضاعها الاقتصادية وتحسين علاقاتها مع بقية دول العالم. ومن المقرر عقد قمة العام الجاري (2016) في مدينة «جوا» الهندية خلال شهر أكتوبر المقبل. ورغم النجاح الذي حققته دول «بريكس» في الماضي، فإن كل واحدة منها تعاني الآن من سلسلة مشاكل، تتلخص في الركود وانخفاض معدل النمو الاقتصادي. وأيضاً بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي تعاني منه الصين وتداعياته على الاقتصاد العالمي، وهو العامل الأساس الذي يقف وراء التراجع الذي شهدته أسواق المواد الأولية التي بقيت تموّن الصين بكل شيء، من البترول وحتى الحديد الخردة. وتعاني روسيا من انخفاض أسعار البترول. ومما زاد من عمق وخطورة مشاكلها، العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا عقب تدخلها في أحداث أوكرانيا، وضمّها لشبه جزيرة القرم في ربيع عام 2014. وتعاني الهند بدورها من تحديات حقيقية تتعلق بتدهور حالة البيئة، والذي بلغ من السوء ما جعل مدنها الأكثر تلوّثاً في العالم. أما جنوب أفريقيا فغارقة في حالة من التباطؤ الاقتصادي، وفضائح فساد متزايدة طالت حتى الرئيس جاكوب زوما. وبالنسبة للبرازيل فهي تعاني من مشاكل بالغة الخطورة، تتمثل في خمس أزمات من النوع المستعصي؛ تكمن أولاها بأسوأ ركود اقتصادي تواجهه البلاد منذ 80 عاماً، وهو مصحوب بمعدل بطالة متزايد، وبإغلاق بعض المصانع وتراجع قطاع التصنيع. والأزمة الثانية دستورية، أدت إلى العزل المؤقت للرئيسة دلما روسيف انتظاراً لنتائج محاكمتها بتهم وجهها إليها الكونجرس البرازيلي، تتعلق بالتلاعب بأرقام الميزانية والصناديق الحكومية بغية التغطية من جانبها على ضعف الأداء الاقتصادي لحكومتها. وتتعلق ثالث أزمات البرازيل بفضيحة فساد ضخمة تورط فيها مئات المسؤولين السياسيين، بالإضافة لشركة البترول البرازيلية الوطنية «بتروباس». وتتعلق الأزمة الرابعة بتأخر التحضيرات للألعاب الأولمبية المقررة في ريو دي جانيرو في أغسطس المقبل، بسبب عدم اكتمال المنشآت الرياضية وتأخر تنفيذ مشاريع تطوير البنية التحتية لقطاع النقل. والأزمة البرازيلية الخامسة صحية الطابع وتتعلق بانتشار وباء فيروس «زيكا» الذي ينقله البعوض، وكانت له نتائج وخيمة على النساء الحوامل المصابات به واللائي يلدن أطفالاً مشوّهين أو ناقصي التكوين. وبلغ الأمر من الخطورة الحدّ الذي دفع ببعض الرياضيين العالميين، بمن فيهم بعض البرازيليين، إلى الإعلان عن امتناعهم عن المشاركة في الألعاب الأولمبية خوفاً من الفيروس. كما أدت حوادث العنف المنتشرة في مدينة ريو إلى انخفاض مبيعات التذاكر المخصصة لحضور المنافسات والمباريات. وكان لهذه المحن والمشاكل التي تعيشها البرازيل أن تضفي طبقة سميكة من الشك والغموض على المقولة التنبؤية القديمة التي تفيد بأنها «دولة المستقبل، وسوف تبقى كذلك». وربما تتمكن البرازيل من الوصول بهذه المشاكل والمصائب إلى حلول، لكن بشرط ألا يحدث هذا بعد أن تكون قد أدت إلى تداعيات وعواقب جيوسياسية وخيمة لا يمكن تقديرها بالنسبة للقارة الأميركية كلها. فالأمر في الأرجنتين لا يختلف كثيراً عما هو عليه الحال في البرازيل، خاصة بعد إقالة الحكومة اليسارية في وقت تواجه فيه الرئيسة كريستينا كيرتشنير معركة قانونية بعد اتهامها بقضايا فساد. كما تعيش فنزويلا مأزقاً خطيراً أدى إلى إفلاس الدولة، وهو من النوع الذي لا يمكن التحكم فيه؛ فإما أن ينتشر العنف والاضطراب على نطاق واسع ليتحول إلى حرب أهلية، أو ينتهي الأمر بانقلاب على الرئيس نيكولاس مادورو، قبل أن ينتقل وباء العنف والفوضى إلى دولة كولومبيا المجاورة. إن المأزق التي تعيشه دول «بريكس» يعكس مدى صعوبة التنبؤ حول القضايا المتعلقة بتوجهات الاقتصاد العالمي. وهو ما يدفعنا للتمسك بالآمال العِراض في أن تبقى تلك الدول جبهة متحدة، وعلى نحو فعّال، حتى تتمكن من حل مشاكلها المستعصية.