في العام القادم يكون قد مرّ نصف قرن على احتلال إسرائيل للضفة الغربية بما فيها مدينة القدس. وعلى رغم أن الأمم المتحدة تعتبر الاحتلال غير شرعي، فإن إسرائيل تمضي قدماً في تهويد القدس وفي بناء المزيد من المستوطنات اليهودية. وفي عام 1947 صدر القرار 181 عن مجلس الأمن الدولي الذي ينص على إقامة دولتين في فلسطين، عربية وإسرائيلية. إلا أن هذا القرار لم يبصر النور أبداً، وذلك لسبب وحيد، وهو أن القرار قرار إنساني، أي أنه صناعة إنسانية. وإسرائيل لا تؤمن إلا بما تعتقد أنه قرار إلهي. والقرار الإلهي الذي يعلو فوق كل قرار، يقول بأن «الأرض، كل الأرض، هي هبة خالصة من الله للشعب اليهودي»! غير أن الواقع أن رسالة الله إلى الإنسان تتعلق بالقيم الأخلاقية وباحترام حقوق الناس في الدنيا، والإيمان بالاحتكام إلى الله في الآخرة. فالله منح اليهود مجموعة من القيم والتعاليم ولم يمنحهم هذه الأرض أو تلك من فلسطين وتحديداً الضفة الغربية التي يسمونها «يهودا والسامرة»! جرى اغتيال رئيس حكومة إسرائيل السابق إسحاق رابين لمجرد أنه أبدى استعداداً للقبول بتسوية سياسية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تتضمن اعترافاً بقيام دولة فلسطينية فوق جزء من الأرض. اعتبرت الحركة الأصولية اليهودية موافقة رابين تخلياً عن الوعد الإلهي. ولذلك جرى اغتياله. والذي نفذ عملية الاغتيال يدعى «إيغال أمير»، وهو من أتباع حركة يهودية متطرفة كان يترأسها باروخ غولدشتاين. وغولدشتاين الذي هاجر إلى إسرائيل من الولايات المتحدة، هو الذي قتل وحده 29 فلسطينياً كانوا يؤدون الصلاة جماعة في الحرم الإبراهيمي في نابلس في عام 1994. وبعد اغتيال رابين، تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية نتنياهو الذي يتولى تنفيذ مخطط الحركة الأصولية اليهودية. يقول الكاتب اليهودي فيكرام سيث: «إن المكسب الكبير لكونك من شعب الله المختار هو أنك تملك القرار لتحديد من هم ليسوا مختارين من الله. ومن ثم تعاملهم على هذا الأساس»! يعرف الإسرائيليون، وخاصة قادة الأحزاب الدينية المتطرفة أن إسرائيل لا يمكن أن تجمع بين أن تكون دولة يهودية، وأن تكون دولة ديمقراطية. فالديمقراطية تقتضي احترام حقوق الجماعات المتعددة في الدولة الواحدة، كما تقتضي المساواة بين المواطنين على اختلاف أديانهم وعقائدهم. غير أن إسرائيل تخشى من اعتماد هذه القواعد، لأنها ستؤدي في مستقبل غير بعيد إلى رجحان عدد الفلسطينيين على الإسرائيليين. ولذلك تصرّ على إعلان ذاتها دولة دينية يهودية. وبموجب العقيدة السياسية- اليهودية فليست الضفة الغربية هي أرض الميعاد فقط، بل إن كل الأرض الواقعة بين النيل والفرات هي أرض ميعاد! ومن هنا فإن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية يعني بصورة غير مباشرة اعترافاً بهذا الحق «الإلهي» المزعوم! وكذلك فإن يهودية إسرائيل تعني أن حق المواطنة فيها يكون حصراً لليهود فقط. الأمر الذي يبرر دفع فلسطينيي 1948 (من مسلمين ومسيحيين) إلى ما وراء الحدود، لعدم انطباق مواصفات وشروط المواطنة عليهم في دولة دينية يهودية. ولا تقتصر أبعاد إعلان إسرائيل دولة يهودية على هذه المعاني الخطيرة فقط، لأنه إذا وافق المجتمع الدولي على هذا الإعلان الادعائي فإنه يضع إسرائيل فوق القوانين والمواثيق الدولية، ويعترف بها دولة تحتكم إلى ما تدعيه المرجعية الإلهية وحدها في أسباب قيامها وفي تحديد حدودها، وفي تبرير استمرارها، وحتى في الدفاع عن نفسها. ومن هنا خطورة اعتراف المجتمع الدولي بإسرائيل دولة يهودية. وفي عام 1947 اغتال متطرف هندوسي في دلهي المهاتما غاندي لأنه وافق على إعلان دولتين: الهند وباكستان. ولكن بعد اغتيال غاندي تولى السلطة الرئيس نهرو. أما في إسرائيل، فبعد اغتيال رابين، تولى السلطة نتنياهو. وشتان بين الاثنين.