«سباستيان نادو» فرنسي في الـ43، يتمتع بملامح وسيمة ومظهر رياضي، ويحمل درجة جامعية في التربية البدنية والتاريخ. وهو يعمل مدرساً، ولم يسبق له أن تولى أي منصب رسمي في حياته. في الأسبوع الماضي أعلن «نادو» أنه سيرشح نفسه عن «حركة التقدميون» في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2017. وكان لافتاً للنظر أن نادو بدا رابط الجأش، وهو يعلن اعترافه بعدم امتلاكه أي خبرة سياسية حين إعلانه نيته الترشح. والمثير للاهتمام أيضاً أن «روبير هوي» ذاته، رئيس «حركة التقدميون»، وهو رجل عمل بالسياسة طوال عمره، بدا هو الآخر رابط الجأش وهو يشهد إعلان نادو لترشحه. وكون «هوي» يرى أنه من المناسب الآن، ليس فقط أن يدعم مترشحاً آخر لمنصب الرئاسة، وإنما لإعلان أن مهمة حزبه باتت تتمثل في «نزع الطابع المهني عن الحياة السياسية في فرنسا»، يكشف الكثير عن الحالة الرثة التي وصل إليها اليسار الفرنسي. فخلال استطلاع رأي أُجري مؤخراً، أعرب واحد فقط من بين كل عشرة فرنسيين عن رغبته في رؤية أولاند يرشح نفسه لولاية ثانية. كما يرى محللون كثر، أن أولاند يخسر أمام كل مناوئيه، بدءاً من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وانتهاءً بمارين لوبان زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف. ورغم أن أولاند يعد العدة لحملة إعادة انتخابه، فإنه يدرك حجم الورطة التي يواجهها. ففي كتاب جديد له عن فترة ولايته كرئيس، قال أولاند: إنه إذا لم ينجح في عكس اتجاه منحنى البطالة بنهاية 2016، فإن حملته ستتعرض لمأزق كبير. أعضاء الحزب الاشتراكي، الذي يترأسه أولاند، يوافقون على ذلك الرأي، لكنهم يختلفون حول كل شيء آخر تقريباً، بما في ذلك ماهية الشخص الذي يجب أن يصبح قائداً لليسار الفرنسي. فعلى أحد الجوانب، تقف المجموعة التي يطلق عليها «المتمردون» (frondeurs)، والتي تتبوأ الصدارة في الجمعية الوطنية من خلال ممثلها «كريستيان باول»، والتي تلتزم التزاماً قوياً بالأيديولوجية الديمقراطية الاشتراكية التقليدية للحزب الاشتراكي. وهناك أزمتان سياسيتان كشفتا الانكماش المستمر في حجم قاعدة دعم أولاند لدى هذه المجموعة. أولاهما المحاولة المحرمة لنزع الجنسية الفرنسية عن الإرهابيين الذين تصدر بحقهم أحكام إدانة، والتي كانت سبباً في تنفير «حركة المتمردون» الذين اتهموا قيادتهم بتملق مؤيدي «الجمهوريون»، وحزب الجبهة الوطنية المتطرف. وفي الأزمة الثانية عاد أنصار الحركة إلى متاريسهم، عندما قدمت الحكومة إصلاحات في مجال العمل في منتصف فبراير، في محاولة محمومة لإيقاف الزيادة المطردة في أرقام البطالة. وفي حين أن رئيس الوزراء «مانويل فالس» كان يتوقع استجابة معادية من الاتحادات العمالية، فإنه صُدم خصوصاً من ردة فعل طلاب الجامعات والمدارس العليا، الذين رأوا أن التدابير المقترحة من الحكومة لتقليص البطالة المتنامية، تقوض حقهم في الأمن الوظيفي، وتورثهم بدلاً من ذلك «حياة غير مستقرة». ومن خلال اشتباكهم في معارك مع أولاند، يسعى «المتمردون» لتأكيد سيطرتهم على الأجندة الحالية للاشتراكيين. ومع ذلك ليس ثمة سوى سبب ضئيل يدعو للاعتقاد بأنهم يمثلون مستقبل الحزب. فرغم أنهم يقدمون أنفسهم كأخلاقيين يدافعون على الإرث الإنساني للاشتراكية الفرنسية، فإن أياً منهم لا يقدم إلهاماً لباقي المواطنين. والواقع أن احترافيتهم ذاتها تمثل جزءاً كبيراً من المشكلة: فمهما كانت أيديولوجتيهم المعلنة، فإن الجمهور الفرنسي بات يعتقد أن السياسيين ينتمون إلى نوع جبان من المخلوقات، مدفوع فحسب بالرغبة في تحقيق مصلحته الذاتية، وقبل كل شيء بالرغبة في الدفاع عن مقاعده. وهذا هو السبب الذي يجعلنا لا نشعر بالدهشة من أن النجمين الصاعدين لليسار الفرنسي حالياً معروفان بمناوئتهما للطبقة السياسية، وهما «إيمانويل ماركو» و«نيكولا إيلو»، اللذان وإن كانا يختلفان في خلفيتهما الأيديولوجية، فإنهما يتفقان في اهتمامهما بالسعي للحصول على أعلى منصب سياسي. كان أولاند فيما مضى على وفاق مع فكرة التغيير، وخاض انتخابات الرئاسة عام 2012 تحت شعار «التغيير الآن». لكن مشاعر التفاؤل التي أحس بها الناخبون الاشتراكيون في حينه، تحولت الآن إلى مشاعر لامبالاة مريرة. فبخلاف نجاح حكومته في جعل زواج المثليين حقاً دستورياً، فإن أولاند تجاهل تغييرات ما كان له أن يتجاهلها، مثل صعود الجبهة الوطنية، وتمزق الحزب الاشتراكي بفعل الصراعات المريرة في صفوفه، والنفور الآخذ في التزايد للقاعدة الانتخابية تجاه الحزب. أستاذ التاريخ الفرنسي بجامعة هوستون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»