يغطي الموقع الإلكتروني المتخصص بتغطية فعاليات الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون، 31 قضية مرتبة على أحرف المعجم الإنجليزي، وتبدأ بالحديث عن مرض «خرف الشيخوخة» (الزهايمير)، وحتى أخبار «الطبقة العاملة والمهارات»، إلا أن باب حرف «تي» الإنجليزي كان فارغاً، وبما يدل على تجنبها الحديث عن السياسة الضريبية. وهذا ما يطرح تساؤلاً حول السياسة الضريبية التي ستنتهجها. وبعد أن أغرقت في الحديث عن فكرتها التي تقضي بجعل الجامعات متاحة ومفتوحة أمام الطلاب، استدركت الأمر بقولها: «سوف تكلّف هذه الخطة 350 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. وسوف يتم دفع المبلغ كاملاً من خلال تخفيض الإنفاق من العوائد الضريبية التي يتم تحصيلها من الأثرياء ذوي الأرباح المرتفعة». ومنذ إدارة ريجان (1981 -1989)، انخفضت الأعباء الضريبية على طبقة الأثرياء إلى مستوى غير مسبوق. وعندما أصبح ريجان رئيساً، بلغ أعلى هامش ضريبي على أرباح ذوي الدخول المرتفعة 70%. أما اليوم، وبعد الزيادة الضريبية المدعومة من الديمقراطيين، والتي اعترض عليها الجمهوريون قبل أن يشرّعها الكونجرس عام 2013، فيبلغ المعدل 39.6% من الأرباح. أما تصريحات ترامب حول الهوامش الضريبية، وبقية القضايا، فتفتقر للواقعية كلياً. ويمكن وصف الخطة الضريبية التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، بأنها لا تعدوا كونها اقتراحاً سخيفاً يمكن أن يضيف 10 تريليونات دولار إلى فاتورة الدين العام للحكومة خلال عقد من الزمان. ومن العسير قياس مدى اهتمام ترامب ذاته بخطته الضريبية، وما إذا كان قد أزعج نفسه بقراءة بنودها أو حتى الاطلاع على فحواها. ولم تكن هذه الخطة من العناصر التي سعى عبرها للتأثير على مؤيديه. وبينما وعدت هيلاري بإعادة تقسيم الكعكة الاقتصادية عن طريق تصحيح السياسة الضريبية وتخفيض الإنفاق العام من أجل إعادة توزيع العوائد، فإن ترامب يقترح وسائل أخرى لتحسين حالة الاقتصاد. لقد وعد بمنع الشركات متعددة الجنسيات، مثل «فورد» لصناعة السيارات، من نقل الوظائف التي يشغلها ذوو الياقات الزرقاء (العمال الكادحون) إلى خارج الولايات المتحدة. ووعد بفرض الضرائب على البضائع التي تنتجها تلك الشركات عندما يتم استيرادها إلى الولايات المتحدة. وسوف تمثل هذه السياسة ضربة قوية للصين بسبب التعرفات الباهظة التي يتعين عليها تحملها. وحتى الآن، لا يزال منتسبو الطبقة ذات الثقافة العالية وأصحاب الكفاءات من الأميركيين يستأثرون بحصتهم الوفيرة من كعكة العولمة. وسجلت القيمة الاسمية لخبراتهم ارتفاعاً في أسواق العمل المعولمة، مما أدى لارتفاع قدراتهم الشرائية، بسبب انخفاض أسعار المنتجات المصنعة في الصين وبقية الدول ذات أجور التشغيل المنخفضة. وبناءً على دراسة، فقد خسرت الولايات المتحدة بين عامي 1990 و2007 أكثر من 1.5 مليون وظيفة عمل صناعية لصالح الصين. ويرى ترامب أن على الأثرياء رفع قيمة العلاوة على الأجور للعمال المهرة. وهناك عيب يعتري هذه السياسة، وذلك لأن الأسعار التي يدفعونها مقابل الحصول على السلع والبضائع المصنعة سوف ترتفع لو عادت الشركات الأميركية متعددة الجنسيات إلى أرض الوطن، مما سيجبرها على دفع أجور أعلى لعمالها، وتالياً تراجع الأرباح الموزعة على حملة الأسهم. كما أن العمال أنفسهم سوف يدفعون أسعاراً أعلى للسلع التي يشترونها. ويضاف إلى ذلك أن الحائط الوهمي الذي بناه ترامب لمنع العمال المهاجرين من ذوي الأجور المنخفضة من دخول الولايات المتحدة، سوف يؤدي إلى رفع قيمة الأجور، حتى ولو بنسبة ضئيلة عما هي عليه الآن، وبما يزيد من تكاليف إنتاج السلع والبضائع. وعندما نطق ترامب بعبارته الشهيرة: «أنا أحب ذوي التعليم الضعيف»، فربما كان يعني بذلك أنه يحب الفوز بأصواتهم الانتخابية ليس إلا. لكن سياساته قد تمثل مكسباً للعمال غير الأكفاء من ذوي التعليم المنخفض. وفيما يسعى الجناح المؤيد لبول ريان في الحزب الجمهوري لتركيز المزيد من الثروات في أيدي طبقة القمة، يقترح ترامب السير في اتجاهين في وقت واحد من حيث تخفيض الضرائب على أثرياء القمّة من جهة، ورفع أجور طبقة القاعدة وتأمين الوظائف لها من جهة ثانية. فرانسيس ويلكنسون: محلل أميركي متخصص بقضايا السياسة والأمن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»