لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي مبحث رائع عن التنويم الاجتماعي، يشير فيه إلى سحر الكلمة العابرة، فيقول إنه ربما كلمة عابرة من أحدهم تعطي إيحاءً قوياً في عقل سامعها، فتستحوذ عليه وتصيّر حياته سلسلة من المحاولات لتحقيق ما سمعه. ويذكر الوردي حكاية أرملة عجوز سخرت منها جارتها يوماً وقالت: «بيتكم لا يعرف الطبخ، ولم يوضع فيه قدر على نار». فغيرت هذه الكلمة من حياة العجوز وأصبح كلامها كله عن المطبخ، فتذهب إلى السوق وبيدها سلة، ثم تعود وتحدث جاراتها عن غلاء الأسعار، وتقطع حديثها مسرعة نحو المطبخ لئلا يحترق ما تطبخه. وكل ما كانت تفعله المسكينة تمثيل في تمثيل، ولا هدف منه سوى تكذيب جارتها التي عيّرتها بالفقر. وربما كانت في حياة كل واحد منا كلمة عابرة سمعها في يوم ما، ولا تزال ترنّ في أذنه وقد تحولت إلى لافتة عريضة لمسيرة حياته، ومحظوظٌ من كانت كلمته العابرة إيجابية ومشجّعة، فتجده يفعل المستحيل ليكون أهلاً لتلك الكلمة وخليقاً بها، وويلٌ لمن كانت كلمته عكس ذلك، فتكون حياته سلسلة من الخيبات التي يذهب إليها بقدميه حاملاً لوحته السلبية والمحبطة فوق رأسه، إلا إذا استطاع أن يحول تلك الكلمة العابرة إلى تحدٍ، وتمكن من التزود منها بالطاقة والحيوية نحو إثبات عكس ما قيل له، رغم أنه سيظل مكسور النفس حتى لو أثبت للعالم كله أن تلك الكلمة لم تكن في محلها. وكما أن هناك كلمات عابرة تؤثر فيما يفعله المرء بنفسه، فهناك الأسوأ، وهي الكلمات العابرة التي تؤثر في نظرة سامعها نحو الآخرين، فربّ أفاك رمى شخصاً بتهمة ما أو تقييم ما أو وصف ما، وذلك على مسمع من الآخرين، فإذ بأحدهم يبني على تلك الكلمة العابرة تقييمه لذلك الشخص، ولأسرته، ولأطفاله، وربما لأحفاده، ونقل كل هذا إلى كل من هم حوله، وهكذا إلى أن تنقطع السلسلة أو تتوقف الموجات الارتدادية لتلك الكلمة العابرة. هذا ما تفعله الكلمة العابرة، فماذا تفعل الكلمة الجيدة، أو السيئة، التي تقال ليل نهار، وتعاد صباح مساء، وتكرر يوماً بعد يوم، وسنة إثر سنة، حتى تكون الكلمة مقيمة بشكل دائم وجزءاً لا ينفصل من عالم سامعها؟ ومع هذا، تجد من يهوّن من تأثير الكلمة، ويرفع حواجبه دهشة لو علم أن شخصاً لاذ بالقضاء لإيقاف حملة الإهانة والاتهام التي يتعرض لها في مواقع التواصل الاجتماعي، ويصل به الأمر إلى التلميح بأنه بلا عقل ولا عمل، لأنه يحارب كلمات لا حقيقة لها يرددها أشخاص وهميون في عالم افتراضي، كما فعل دون كيشوت في حربه مع الخيال والهواء. الكلمة مفتاح الفعل، والطريق إليه، ومن يجلس مع نفسه ويفكّر في الأشياء التي تحركه وتوجهه وترسم له مساره في الحياة، سيجد أن الكثير من المحركات هي مجرد كلمات كان قد سمعها، وأنه يسعى على طول الخط إلى تحقيقها والامتثال لها، أو تحدّيها‏? ?وإثبات? ?عكسها.?