جائزة الصحافة العربية، والتي اختتمت دورتها الخامسة عشرة منتصف الشهر الجاري بدبي، ساهمت على مدى عقد ونصف من الزمن في إبراز مواضيع مبدعة في كافة المجالات التي تضمنتها الجوائز، والتي يأتي من ضمنها جائزة الصحافة الاقتصادية. وبالإضافة إلى تشجيع الكتاب على تناول الكثير من القضايا الخاصة بتطور المجتمعات العربية، ورفد المكتبات بكتابات جديدة، وإبراز مواهبهم كل في مجاله من خلال التنافس المهني لنيل هذه الجائزة التي وجدت لنفسها مكانة خاصة من بين الجوائز العديدة في المنطقة، فإن المواضيع المرشحة للجوائز تتضمن أفكاراً ورؤى يمكن البناء عليها وتطويرها من خلال دراسات وبحوث من قبل المفكرين والمتخصصين، مما يؤدي إلى وضع بعض هذه الرؤى موضع التنفيذ في مجال الاقتصاد والفنون والآداب والسياسة والثقافة والرياضة. وإذا أخذنا الجانب الاقتصادي، على سبيل المثال، سنجد أنه خلال الخمسة عشر عاماً الماضية رشحت الكثير من المواضيع ذات الطابع العلمي والمهني، ففي هذا العام نال الجائزة باقتدار موضوع مهم للغاية يتناول قضية خليجية أثارت من حولها الكثير من الجدل، أي تلك الخاصة بتحرير قطاع الطاقة، إذ من المعروف أن أسعار الطاقة قدمت في هذه البلدان، وعلى مدى عقود طويلة، بأسعار زهيدة، مما أدى إلى تحمل موازنات دول الخليج لأعباء باهظة، وإلى إسراف في الاستهلاك، حيث تناول الفائز بالجائزة هذه الجوانب بالتحليل العلمي بعيداً عن الإثارة، وخرج باستنتاجات صحيحة تتعلق بضرورة تحرير قطاع الطاقة، لما له من نتائج إيجابية على الأوضاع المالية والبيئية في دول المجلس. لقد ساهم ذلك في تقديم صورة صحيحة لهذا التوجه المستقبلي، الذي بدأ بالإمارات، ليشمل فترة لاحقة بقية دول مجلس التعاون الخليجي، والذي ستكون له انعكاسات إيجابية على معدلات الاستهلاك المرتفعة، وعلى الإصلاح المالي العام للموازنات وأوجه الإنفاق. الأهمية هنا لا تقتصر على الأعمال الفائزة، وإنما هناك أعمال أخرى تستحق الاهتمام والمتابعة، ولكوني أحد أعضاء لجنة فرز الأعمال واللجنة العليا لاختيار المواضيع الفائزة، فقد احترت مرات عديدة في الاختيار لتقارب جودة المواضيع وأهميتها، لكن آراء كافة الأعضاء والمناقشات الشفافة التي تدور حول اختيار المواضيع هي التي تحدد في النهاية الفائز بهذه الجائزة الرصينة. وضمن المواضيع التي تضمنتها المنافسات، والتي لا تقل أهمية، كان هناك موضوع يتعلق بمستقبل التنوع الاقتصادي في مصر بعد الأحداث الأخيرة، حيث يقدم الكاتب رؤى علمية لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد المصري، حيث يمكن للباحثين والمسؤولين عن التنمية في مصر متابعة ما تضمنه هذا الموضوع من أفكار جريئة لوضع تصور شامل لانتشال الاقتصاد هناك من الصعوبات الناجمة عن أحداث السنوات الخمس الماضية، والتي أضرت كثيراً بقطاعات فاعلة، كالسياحة والنقل والخدمات. وفي الاتجاه نفسه تضمنت مواضيع العام الماضي، مقالة رائعة لإحدى الصحف العُمانية عن تجارة الحدود بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان، إذ تضمنت أفكاراً جديدة يمكن أن تساهم في تنمية هذه التجارة الحدودية بحكم تقارب المناطق السكنية والتجارية بين البلدين، ومع أن المقالة لم تفز لوجود فرق بسيط في التقييم العادل بينها وبين المقالة الفائزة، فإنها قدمت صورة لرؤى يمكن أن تنعكس إيجابياً على التجارة الحدودية بين الإمارات وعُمان. ما ينطبق على الجائزة الاقتصادية ينطبق أيضاً على فئات الجائزة الأخرى، حيث الإبداع وتقديم الأفضل للمنافسة والفوز، وهو ما يدفع سنوياً مزيداً من المتنافسين لتقديم الكثير من الأعمال التي يمكن أن تُشكل أساساً لتنفيذ مشاريع تساهم في تنمية المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، وترتقي بالثقافة والفنون والآداب، وهي أحد أهم الإنجازات التي تسجل لجائزة الصحافة العربية وللقائمين عليها.