تزامنت قمة مكافحة الفساد، التي عقدها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، مع إصدار فريق العمل في صندوق النقد الدولي دراسة يشرح فيها تداعيات الفساد على الأنظمة الاقتصادية والطرق المقترحة للقضاء عليه. ولكن لا هذه المقترحات ولا تلك المطروحة في المنتدى من شأنها فعل الكثير من أجل حل مشكلة الفساد في العالم النامي، إذ يتطلب الأمر أكثر من مجرد قوانين أفضل لمكافحة المحسوبية أو آليات لتنفيذها. ففي المنتدى تحدث كثيرون عن الجهود الدولية المبذولة لاستعادة الثروات المنهوبة، والشفافية بصورة عامة. ويأمل كاميرون في أن يتخلص من السمعة التي اكتسبتها لندن كملاذ لثروات بعض الفاسدين. ويرغب أن تعلن الشركات الأجنبية كافة، التي تمتلك عقارات في بريطانيا، عن أصولها في سجل عام. وأشك في أن يجدي ذلك نفعاً، فهذه الإعلانات لن تتضمن أي شيء أكثر من قائمة العقارات الموجودة في لندن، وأسماء الملاك المستفيدين. واستعادة الأصول أمر فضفاض، ففي البداية يجب أن يعاقب ملاكها بموجب حكم محكمة، ولكن في بعض الدول الفاسدة تكون المحاكم من بين أكثر المؤسسات فساداً. وقد اضطر الاتحاد الأوروبي إلى إزالة أسماء شركات تابعة للرئيس الأوكراني السابق «فيكتور يانوكوفيتش» من قوائم العقوبات، بعد أن أخفق النظام القضائي الأوكراني في إدانتها. وفي هذه الأثناء، تتركز «استراتيجيات تخفيف» الفساد التي وضعها صندوق النقد الدولي على الشفافية وتعزيز حكم القانون وبناء مؤسسات، والسعي بدأب لتغيير بعض المفاهيم الثقافية المرتبطة بالفساد في المجتمعات. بيد أن كل هذه الاستراتيجيات أيضاً توصيات شائعة، إلى درجة أن بعض الأنظمة التي تتهم بالفساد في العالم طبقتها بطريقة تدعو للسخرية. فيوجد في روسيا، على سبيل المثال، نظام مشتريات حكومي إلكتروني شفاف، كان من شأنه أن يصبح موضع حسد كثير من الدول، لولا أن الشركات «المناسبة» هي من تفوز بكل المناقصات على أية حال! وفي أوكرانيا لا توجد هيئة واحدة، بل ثلاث هيئات، منوط بها محاربة الفساد هي: «المكتب القومي لمكافحة الفساد» و«الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد» و«مكتب المدعين المتخصص في مكافحة الفساد»، ولكن هذه الآفة لا تزال تنخر أركانها، بدرجة جعلت صندوق النقد الدولي يجمد الشريحة الأخيرة من حزمة المساعدات. وفي حوار مع الصحفي الأوكراني «فلاديمير فيدورين»، ذكر «كاخا بيندوكيدز»، الذي نقلت إصلاحاته جورجيا من المرتبة الـ124 على «مؤشر مدركات الفساد» التابع لمنظمة «الشفافية الدولية» في عام 2003 إلى المرتبة 50 في الوقت الراهن، أنه حضر ذات مرة منتدى أعمال «روسي أميركي» نظمته مؤسسة «راند»، وحضره كل من «دونالد رامسفيلد» و«باول أونيل»، وكان لكل منهما دور بارز في إدارة جورج بوش الابن. وأضاف: «بمجرد أن اشتكى مشارك روسي من الفساد، أجابه رامسفيلد قائلاً: أعتقد أن هناك طريقة بسيطة لمحاربة الفساد، هي أن عليكم تمرير قانون يحظر الفساد، فانفجر المشاركون الروس ضحكاً، بينما أومأ الأميركيون برؤوسهم في إشارة إلى موافقتهم على طريقة رامسفيلد، قائلين: بالطبع». وربما أن الأمر لم يحدث على هذا النحو، ولكن «بيندوكيدز»، المعروف بذكائه الحاد، سلط الضوء على قضية مهمة، هي أن الخبراء الغربيين يلحون على الجانب المؤسساتي والقانوني وتنفيذ القانون، كما لو أنهم لا يدركون أن القوانين يمكن تجاهلها، والمؤسسات قد تتعرض للتخريب، وجهات إنفاذ القانون يمكن أن تتحول إلى مشكلة بدلاً من حل! ولم يكن الحل الذي طبقه «بيندوكيدز» من النوع الموصى به في المؤتمرات الدولية، أو في دراسات صندوق النقد الدولي. وقد وصف الحل الذي طبقه، قائلاً: «إن التحرر وتخفيف القيود والرقابة هي العوامل المساعدة على تقويض الفساد، وفي المقابل يساعد تقويض الفساد على التحرر وتخفيف القيود والرقابة». وكان «بيندوكيدز»، الذي دفع رشى بملايين الدولارات وجمع ثروة هائلة في روسيا، يعلم كل مخططات الفساد الشائعة، ويعرف كثيراً من اللاعبين عندما عينه الرئيس الجورجي «ميخائيل ساكاشفيلي» وزيراً للإصلاح الاقتصادي في 2004. ومن دون كثير من الإجراءات، سجن «ساكاشفيلي» كبار الفاسدين، وحمل آخرين على تسليم معظم ثرواتهم للدولة. وعلى رغم أن العملية لم تكن قانونية وفق المعايير الدولية، فإنها آتت أكلها، عندما اقترنت بطريقة «بيندوكيدز» في تخفيف حدة القيود التي تفرضها الحكومة. وبحسب صندوق النقد الدولي، يكلف الفساد العالم ما يتراوح بين 1,5 تريليون وتريليوني دولار سنوياً، أو 2 في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، وهذه الخسائر تحدث غالباً في الدول الأقل قدرة على تحملها. ولا يمكن للغرب أن يقدم مساعدة كبيرة، سواء على صعيد تنفيذ القانون، أو تقديم النصح. ويبقى الأمر متروكاً لكل دولة على حدة، تعاني من الفساد، أن تحارب البيروقراطية وتلاحق مسببيها. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»