الخميس 5 مايو، من سنة 2016 حمل في طياته مفاجأة من العيار الثقيل للانتخابات البلدية لمدينة لندن، خاصة أن الإنجليز بين أكثر الشعوب افتخاراً بماضيهم التليد، وبماذا يعني أن يكون الشخص بريطانياً، ومن ذلك المنطلق والإرث التاريخي من الطبيعي أن يفوز السيد «زاك جولد سيمث» بالانتخابات، ويصبح عمدة للندن، ولكن حدثت المفاجأة المدوية، وهي أن السيد «صادق خان»، هو أول مرشح مسلم بريطاني من أصول باكستانية يفوز بهذا المنصب الرفيع. ولد «صادق» لأب كان يعمل سائق حافلة لمدة 25 عاماً، وأم تعمل من المنزل تحيك الملابس. وبدأت القصة بعد أن هاجر والده «أمان الله خان» من باكستان إلى لندن، وبعد فترة وجيزة، وبالتحديد في عام 1970 رزق بصادق ليعيش عمدة لندن المنتخب وهو واحد من ثمانية أطفال كانوا يعيشون في منزل ضيق ومتواضع في إحدى الضواحي التي تقطنها الطبقات المهاجرة المكافحة ذات المهن التي لا تتطلب تعليماً عالياً في جنوب غرب لندن، لينخرط في مدارس الأقليات مزدحمة الفصول ومتواضعة المردود الدراسي. وفي الثانوية العامة، انخرط في أكثر المدارس المشهورة بالسلوك السيئ من طلابها وهي مدرسة «إرنست بيفن»، ومن تلك المدرسة كانت البداية لصادق نحو الانجذاب للسياسة، والانضمام إلى حزب «العمل» في سن الخامسة عشرة، خاصة بعد أن شاهد صادق ناظر المدرسة، «ناز بخاري»، الذي كان أول مدير مدرسة مسلم في إحدى المدارس الثانوية في المملكة المتحدة. وتلك التجربة أعطت صادق خان الأمل، وأن لون البشرة، ومن أين أصولك ليست بالضرورة عائقاً يقف دون النجاح، أو يمنع المرء من صناعة شيء مميز في حياته. وقد خاض صادق خان رئيس بلدية لندن، منافسه شرسة ضد المحافظ «زاك جولدسميث» في واحدة من أشد الانتخابات البريطانية منافسة في السنوات الأخيرة، حيث تركزت حملة منافسه على إثارة الرعب من كون «صادق» يأتي من بيئة ظهر منها بعض الإرهابيين، ومحاولة ربط «خان» مع التطرف من خلال التركيز على الإسلاميين، وبالرغم من ذلك اختارت لندن الأمل على الخوف، والوحدة على الانقسام، ليصبح المحامي «صادق خان» أول عمدة مسلم لإحدى أبرز العواصم الأوروبية والغربية على الإطلاق، وأهمها ولكن ماذا لو هاجر «صادق خان» الفائز بمنصب عمدة لندن الكبرى إلى دولة عربية؟ هل كنا يا ترى سنراه رئيساً لإحدى البلديات المحلية أم موظفاً أقل من عادي لا يعبأ أحد بما يفعله فيها؟ ويبلغ عمدة لندن من العمر 45 سنة، وهو متزوج وله ابنتان، حيث بدأ حياته السياسية في سنة 2005 كنائب في إحدى دوائر جنوب لندن، ممثلاً عن حزب «العمال»، وكان قبل ذلك يعمل في وظيفة محامي حقوق إنسان، وماذا يمثل فوز شخص أتى من خلفية صعبة وظروف أصعب، لدرجة أنه كان يخشى هو وأشقاؤه حضور مباريات كرة القدم التي يعشقها في الملعب بسب العنصرية، وكان أكثر أماناً لهم أن يتابعوها في المنزل؟ وبالرغم من أنه كان متفوقاً في الرياضيات والعلوم إلا أنه وضع هدفاً لنفسه يتمثل في دراسة القانون، ويصبح محامياً بسبب مدرس له كان دائماً يردد عليه «أنت حجة دائماً»، أي أنه يملك الإقناع، ولديه مقدرة حوارية استثنائية يسوق من خلالها الحجج بأسلوب تلقائي، لينشأ الشاب الصغير حالماً بعالم المحاماة والدفاع عن حقوق المستضعفين، وتخلى عن فكرة دراسة طب الأسنان لمصلحة القانون الذي درسه في جامعة شمال لندن. وبعد تخرجه عمل على عدد من القضايا البارزة، وفاز بالتعويض فيها لموكليه، خاصة قضايا التمييز العنصري، ولكنه هجر القانون للحياة السياسية، بعد أن شعر أن لديه فرصة لجعل القوانين أفضل من خلال التشريعات البرلمانية. ومن خلال العمل السياسي برز «خان» كمتحدث يجذب له الشارع، خاصة في الدفاع عن التمييز ضد المهاجرين من أصول إسلامية، وأصبح له حضور إعلامي، خاصة أنه صرخ في وجه رئيس الحكومة في إحدى الجلسات «أنت عنصري» مع العلم أنه انتخب نائباً في مجلس «العموم» البريطاني في عام 2005. وفي عام 2008، كان المسلم الثاني فقط الذي يدخل تشكيلة الحكومة البريطانية، كوزير الدولة للمجتمعات المحلية، وليصبح فيما بعد وزيراً للنقل العام، وهو ابن سائق النقل السابق، ولا أظن أن ذلك سيحدث قريباً في عالمنا العربي.