قراران رئاسيان ينوي ردريغو دوترتي، الرئيس الجديد المنتخب للفلبين، اتخاذهما في منصبه الجديد، أحدهما يحظر تناول المشروبات الكحولية في الأماكن العامة، وثانيهما يمنع القاصرين من التجول ليلا. ووفقاً للمتحدث باسمه، فإن دوتيرت سيفرض حظراً للتجوال على القاصرين من دون مرافقين، وحظراً على بيع وتناول المشروبات الكحولية في الأماكن العامة، بناء على ما تم من تشاور ومراجعة للقوانين. وكان الناخبون في الفلبين، البلد المكون من نحو 7100 جزيرة والواقع في جنوب شرق آسيا، والبالغ عدد سكانه نحو 100 مليون نسمة، قد توجهوا إلى صناديق الاقتراع يوم الاثنين الماضي لانتخاب رئيس ونائب للرئيس و300 نائب برلماني. وفي خضم المنافسة المحتدمة بين أربعة مرشحين للرئاسة، استطاع دوترتي فرض نفسه، مجتذباً ملايين الناخبين بنبرته الحادة والحلول الجذرية التي طرحها لمعالجة آفتي الجريمة والفقر. ورودريغو دوترتي، الملقب «رودي دوترتي»، مولود في «ماسين» بجنوب الفلبين عام 1945، لوالده المحامي والسياسي الفلبيني فيسانت جورج دوترتي، وهو أيضاً محامي وسياسي وعضو في «الحزب الديمقراطي الفلبيني -سلطة الشعب». وقد تخرج «رودي» بشهادة في العلوم السياسية من جامعة الفلبين في مانيلا عام 1968، واجتاز امتحان المحاماة عام 1972، وعمل في مكتب المدعي العام بمدينة «دافاو» بجنوب الفلبين بين عامي 1977 و1986. وبعد ثورة فبراير 1986 التي أسقطت الديكتاتور فرديناند ماركوس من السلطة، تم تعيينه نائب عمدة مدينة دافاو، ثم انتخب عمدة للمدينة عام 1988، وأعيد انتخابه مرتين، لكنه أخفق في انتخابات 1998، ليستعيد المنصب في انتخابات 2001 وشغله حتى عام 2010، عندما حلت محله ابنته «سارة دوترتي -كاربيو» التي كانت نائباً للعمدة. لكنه عاد ليترشح للمنصب مجدداً في انتخابات 2013، واحتفظ بها حتى انتخابه رئيساً للجمهورية يوم الاثنين الماضي. وخلال عشرين عاماً أمضاها عمدة لـ«دافاو»، المدينة الشهيرة بصفتها «عاصمة الجريمة» في الفلبين، انتهج «رودي» سياسة صارمة لفرض الأمن وعدم التسامح مع المجرمين، ما جعل وسائل الإعلام تلقبه بـ«المعاقب».. لكن «دافاو» التي كانت الأولى على مستوى الفلبين في عدد جرائم القتل والثانية في عدد حالات الاغتصاب، أصبحت المدينة الأكثر أماناً في عموم الفلبين. بيد أن خصوم «رودي» يعتبرون إنجازاته في مجال الأمن والنظام مضخمة ومبالغ فيه، ويتهمونه بالمسؤولية عن «فرق الموت» التي قتلت مئات الأشخاص في دافاو خلال التسعينيات. وحين واجهته وسائل الإعلام الفلبينية بهذه الاتهامات، لم ينكر وجود عمليات قتل تم ارتكابها بالفعل، وقال: «إذا قمتَ بإجراء نشاط غير قانوني في مدينتي، أو كنت مجرماً، أو عضواً في العصابات التي تهاجم الأبرياء، طالما حدث ذلك وأنا رئيس للبلدية، فأنت هدف مشروع للاغتيال». ثم قال: «لو أن المرأ من التجار الغشاشين، أو اللصوص، أو الأوغاد.. فسيفضل ترك المدينة، لأنني سوف أقتله». وكما سبق للصحافة أن لقّبته بـ«المعاقب»، فقد أطلقت عليه خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة لقب «دونالد ترامب آسيا»، وتوقفت عند توجهاته الشعبوية، ومفردات لغته، والتلميحات الجنسية في خطبه أمام الجمهور، كما تطرقت لقوامه البدني وعضلاته المفتولة.. وناقشت وعوده الانتخابية وتوجهاته الشعبوية، وخططه لمحاربة الجريمة وتقليل الفقر وتهديده بقطع العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وأستراليا. وتوقفت الصحف عند التصريحات التي أعرب فيها عن استعداده للإبحار بنفسه إلى جزر «سبراتلي» في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها بين مانيلا وبكين، لرفع العلم الفلبيني هناك، ثم الدعوة لإجراء محادثات تشارك فيها الولايات المتحدة واليابان. وإذ من شأن الوفاء بمثل ذلك الوعد أن يفجر أزمة مع قوة عظمى صاعدة مثل الصين، فإنه ليس الموقف الوحيد الذي فتح أبواب الانتقاد واسعةً ضد الرئيس الفلبيني الجديد. فقد وعد بالتخلص من المجرمين والمسؤولين الفاسدين، وقال إنه سيبيد اللصوص ومستخدمي المخدرات، كما وجّه شتائم بذيئة إلى بابا الفاتيكان، ثم اضطر للاعتذار عنها، وقال إنه مستعد للذهاب إلى روما لطلب الصفح شخصياً من البابا فرانسيس. وأثار استخفاف «رودي» بواقعة اغتصاب جماعي شهدها أحد السجون في مدينة دافاو، وكانت ضحيتها مبشرة أسترالية، عاصفة من الانتقادات. وحدثت الواقعة عام 1989، حين كان «رودي» عمدة للمدينة، وعلّق عليها مؤخراً في حشد من أنصاره، وقال إن «المبشرة كانت شديدة الجمال وكان يجب أن يكون العمدة أول المشاركين». وبينما دافع أنصاره عن هذا التصريح بدعوى أنه كان في إطار «الدعابة»، قال مراقبون إن ذلك التصريح يُظهر «عدم صلاحيته» لرئاسة البلاد، كما اعتبره المتحدث باسم الرئاسة الفلبينية دليلاً على «مدى عدم احترام المرشح للمرأة وعدم ملاءمته للمنصب». أما منظمة «هيومان رايتس ووتش» فقالت إنه يتضمن «موافقة ضمنية مقززة على العنف الجنسي». وأثارت الحملة الانتخابية الصاخبة لرودي، والتي تبنت شعار القبضة، وركزت على مسألة القانون والنظام، قلقاً بشأن كيفية تعامله مع قضايا الفساد والجريمة وإساءة استخدام العقاقير، ورأى البعض في شعاراته المحرضة وتبنيه لأعمال القتل خارج نطاق القضاء، مؤشرات على أنه سيكون دكتاتوراً. لكن «رودي» يؤكد بنفسه أنه دكتاتور، وهو لا يتردد في التأكيد على أنه سوف يحل البرلمان لو حاول منعه من تنفيذ خططه. بيد أن شعارات رودي ووعوده الانتخابية لقيت قبولًا لدى فئات واسعة من الناخبين الفلبينيين، خاصة الفقراء الممتعضين من حكم الأقلية ومن فئات الأثرياء النافذين، وذلك ما ضمن له الفوز بأغلبية نسبة كبيرة. فوفقاً لأرقام شبه رسمية فقد تقدم رودي على منافسيه الثلاثة الآخرين بحصوله على نسبة 39% من الأصوات، أي ما مجموعه 15.31 مليون صوت، تلاه مرشح الحزب الحاكم بنسبة 23.32% من الأصوات. وإثر إعلان هذه النتائج، قال رودي: «بكل تواضع أقبل هذا التفويض من الشعب». وكان قد قال عقب إدلائه بصوته: «أود أن أمد يدي إلى من يعارضونني.. دعونا نبدأ تضميد الجراح الآن، إننا مسؤولون عن أمن هذا البلد وعن سلامته». وعدا عن حظر تجول الأطفال ومنع المشروبات الكحولية في الأماكن العامة، فسيحاول رودي إدخال تغييرات كبيرة ربما تشمل اعتماد النظامين البرلماني في الحكم والفيدرالي في العلاقة بين المركز والأقاليم. ووفقاً للمتحدث باسمه فإنه يخطط لإدخال تغييرات على الدستور وسيقترح التحول إلى نظام حكم برلماني، وسيطلب من الكونغرس الدعوة إلى مؤتمر دستوري. لذلك يعلق مسلمو جنوب الفلبين آمالا كبيرة على الرئيس دوتيرتي، ليس فقط لأنه تبنى مشروع الفدرالية في حملته الانتخابية، ولكن أيضاً لمعرفته بقضية الجنوب، وكونه أول رئيس ينحدر من هناك. محمد ولد المنى