يواجه المسيحيون في الشام، ولاسيما الموجودين في سوريا وفلسطين، وكذلك العراق، تحديات مأساوية أسيء فهمها أو تم تجاهلها في الغرب. وخلال السنوات الأخيرة، لم تكن حمايتهم أو حتى الإقرار بوجودهم مبعث اهتمام سوى لصناع السياسات أو المجموعات المناصرة لهم، عندما تلائم روايتهم المقبولة أو أجندتهم السياسية في المنطقة. وعلى سبيل المثال، تعرض المسيحيون في فلسطين للتجاهل في معظم الأحيان، فهم عبء غير مريح بالنسبة للإنجيليين من جناح اليمين المتشدد، الذين لا يسمحون لأنفسهم بمشاهدة إسرائيل سوى من وراء غمامة أيديولوجية. ومن ثم يعتبرون أن تجمع اليهود في إسرائيل يعد مطلباً ضرورياً من أجل «الأيام الأخيرة» ومعركة «هرمجدون» وتحول اليهود إلى المسيحية، وعودة المسيح، وكل ما يتبع ذلك! وهؤلاء الإنجيليون يأتون إلى الأراضي المقدسة كحجاج للأماكن التي سرى فيها المسيح، ويزورون الأماكن المقدسة، وفي الوقت ذاته يتجاهلون وجود مجتمع مسيحي في فلسطين منذ نحو ألفي عام. ولأن الإنجيليين من جناح اليمين أصبحوا مدافعين شرسين عن السياسات الإسرائيلية، فهم لا يرفضون فحسب الإقرار بوجود ظلم بيِّن يعاني منه أبناء ديانتهم، ولكنهم أيضاً يتجاهلون وجودهم من الأساس. ولسوء الحظ، يؤثر هذا التعامي أيضاً على السياسيين من اليمين واليسار، لأن انتقاد السلوكيات الإسرائيلية يعتبر من المحظورات، ومعظم السياسيين أصابهم جهل مطبق بشأن الضحايا الفلسطينيين، سواء أكانوا مسيحيين أو مسلمين. ونتيجة لذلك بقوا صامتين بينما تعرضت الأماكن الدينية الفلسطينية للمصادرة أو التدمير، وفرضت إسرائيل نظاماً سياسياً يخول جماعة وحيدة هي اليهود كافة الحقوق، بينما يخضع المسلمون والمسيحيون لمجموعة من الممارسات التمييزية القاسية. ولقي المسيحيون في العراق وسوريا أيضاً مصيراً مختلفاً، وإن لم يكن أقل صعوبة، على أيدي الغرب. وخلال الفترة المؤدية إلى الغزو الأميركي للعراق، لم يدرس أحد في واشنطن التأثير الذي قد تسببه الحرب على المجتمع المسيحي المستضعف في ذلك البلد. وخلال السنوات التي تلت، بينما تمزق العراق أشلاء بسبب الصراع الطائفي، تجاهل الزعماء السياسيون والدينيون في الولايات المتحدة بشكل كبير مصير الأقليات في العراق. وعلى سبيل المثال، خيم الصمت على إدارة بوش بينما كانت ممتلكات المسيحيين تتعرض للنهب، وتصادر منازلهم وتجبر أسرهم على النزوح، وهو ما أسفر عن تراجع أعداد المسيحيين في العراق من 1,4 مليون إلى 400 ألف فقط. وقد يكون السيب في ذلك التجاهل أن إنقاذ هذا المجتمع المسيحي القديم لم يلائم الأجندة السياسية الأميركية، وكذلك لم تسمع صرخاته لنيل الاعتراف والحماية. ولم يبدأ الغرب في إلقاء بال لمن تبقى من مسيحيي العراق إلا بعد السلوكيات الوحشية لتنظيم «داعش». ويبدو الآن فقط أن مصيرهم يلائم الأجندة السياسية، بشن هجوم حزبي ضد الرئيس، وإفساح الطريق للجماعات اليمينية المناهضة للمسلمين كي تذرف بعض الدموع. وبطريقة مماثلة، تم تجاهل أصوات المسيحيين في سوريا أيضاً في بداية الصراع الدامي. وكثير من المسيحيين، على رغم عدم تأييدهم للنظام في دمشق، أعربوا عن قلق عميق، ومخاوف من «المعارضة». ولأن حكومة نظام الأسد تبنت طريقة علمانية قدمت بعض الحماية للمسيحيين، فقد نُعتوا في بعض الأحيان بأنهم متآمرون، وتعرضوا للإقصاء من المناقشات السياسية بشأن مستقبل بلدهم، وخصوصاً في الغرب. والآن فقط، بعد تفاقم خطر «داعش»، بدأ الزعماء الدينيون والسياسيون في الغرب يلقون بالاً للمسيحيين السوريين، ولكن كما كانت الحال في العراق، جاء ذلك متأخراً وضئيلاً جداً. والقول الفصل أن هؤلاء المسيحيين العرب ينبغي الاهتمام بهم وأن تسمع أصواتهم، وليس فقط عندما يلائم ما يقولونه أجندتنا حصراً. فهم أكثر من مجرد لاجئين أو ضحايا تطرف ديني يوفر أداة نافعة للمصابين بالرهاب من الإسلام كي يحذروا من المخاطر التي يروجون لها. والمسيحيون العرب هم مجتمعات تمثل جزءاً لا يتجزأ من تطور الثقافة والنسيج الاجتماعي لبلاد الشام والعراق. وبقاؤهم مهم للمنطقة. والاعتراف بحقوقهم، والإنصات لمخاوفهم، وتلبية احتياجاتهم يمكن أن يقدم دروساً لصناع السياسات. بيد أن استضعاف المسحيين العرب جعلهم ورقة اختبار للسياسات الغربية. وصمت الغرب في وجه خنق إسرائيل المستمر للمجتمع المسيحي الفلسطيني يقدح في سياساتنا الغربية بشأن حقوق الإنسان، ويظهر أنها معيبة ومصابة بازدواجية معايير قاتلة. وكان ينبغي أن يمثل مصير الفلسطينيين في العراق تحذيراً مبكراً للأميركيين بأن النظام الذي يعتمد على الطائفية في الحكم الذي تم فرضه في العراق محفوف بالمخاطر. وبالمثل، كان ينبغي أن تجعل حقيقة عدم وجود أي قيادة مسيحية في المعارضة السورية (على رغم وجود بعض المسيحيين «المختارين» الحاضرين في جماعات المعارضة) صناع السياسات على علم بأن بعض أطياف المعارضة ليست ممثلة بشكل جيد، وأنه لابد من بذل مزيد من الجهود من أجل تشكيل حركة معارضة شاملة وغير طائفية. وإذا كان الهدف هو إنشاء نظام تمثيلي ديمقراطي حقيقي للحكم في كل من العراق وسوريا، فلابد من أن تؤخذ أصوات قيادة المسيحيين والأقليات الأخرى في الحسبان.