لا يكاد يمر أسبوع إلا وتنقل الأخبار أنباء عن تصفية أحد زعماء التشدد الديني وقادة الإرهاب في الجماعات التكفيرية في أفغانستان أو سوريا أو العراق، أو الصومال وغيرها. وكلها إنجازات مبهرة في الواقع ضد هذه الجماعات التي تهدد كل دول العالم وكل الشعوب والديانات، فهي محاسبة تصل إلى حصون هذه الجماعات وتقضي على قادتها وسط أنصارهم وحماتهم، وتذكر البشرية والجماعات الإرهابية بأن من المستحيل المضي في هذا الدرب إلى الأبد دون ملاحقة، ودون أن يصيبك بلاء وانتقام بما اقترفت يداك بحق الأبرياء الآمنين. تصفية القادة والزعماء والرؤوس لا تحطم الإرهاب مباشرة ولا تمنع صعود آخرين أسوأ ممن قتلوا وأشد فتكاً. ولكنها كذلك تعرقل كثيراً مسيرته وتنبه الآخرين في صفوفه بأن هذه الجماعات لن تفجر وتذبح وتدمر كما تشاء، ولن تتحكم بالسلاح بحياة الدول والشعوب إلى الأبد، وأن هناك قوة فوق قوتها، ستختطف أقوى زعمائها بضربة واحدة.. كما جرى لأبي مصعب الزرقاوي مثلاً، أو وزراء المالية والنفط في «داعش»! ويتساءل أي مراقب ومتابع: ماذا كان بيد العرب والمسلمين ضد هذه الجماعات الإرهابية لو لم تكن القدرات الأميركية والأوروبية والروسية ضمن محاربيها؟ مَنْ مِنْ الدول العربية والإسلامية كان سيتولى جمع المعلومات ومراقبة التحركات والملاحقة البرية والجوية بهذه القدرات والتقنيات المتقدمة الدقيقة التي تحقق كل هذه النجاحات؟ فربما نجحت هذه الجماعات المتشددة آخر الأمر، في محاصرة الدول العربية والإسلامية، والسيطرة المباشرة على الضعيف منها، والتلاعب بمصائر وأقاليم القوى منها، وابتزاز الأموال الطائلة من بلدانها الغنية! وقد تبقى هذه الأقطار ضمن المجموعة الدولية شكلاً، بينما هي خواتم وبيادق في أيدي هذه التنظيمات تستطيع الملاحقة الدولية والضربات الجوية تصفية الرؤوس، ولكنها لا تستطيع أداء أي دور في تصفية النفوس. فهذا دور قادة وفقهاء ومثقفي وإعلاميي بلدان العالم العربي والإسلامي، ممن بات أكثرهم يدرك اليوم خطر الإرهاب والكوارث السياسية والاقتصادية والأمنية التي تسببها. في افتتاح المؤتمر الدولي حول «دور علماء السُنة في مكافحة الإرهاب والتطرف» الذي عقد في «نواكشوط» بموريتانيا، والذي شاركت فيه شخصيات من مختلف بلدان العالم الإسلامي في مارس 2016، قال الرئيس الموريتاني في كلمته الافتتاحية إن الإرهاب يستبيح دماء الناس وأعراضهم وممتلكاتهم، معتمداً على تأويلات أساسها الغلو والتطرف والانحراف». وأضاف أن نشاط الجماعات الإرهابية «تسبب في إشعال الفتن في بعض البلدان الإسلامية، فقوّض أمنها، وزعزع استقرارها، وفكك نسيجها الاجتماعي». وقال الرئيس الموريتاني إن التصدي لكل هذه المخاطر يتطلب تضافر جهود الجميع «وخصوصاً إسهامات علمائنا الأجلاء الذين تقع عليهم مسؤولية تبيان المفاهيم الصحيحة لديننا الحنيف.. وتحصين الأجيال الصاعدة ضد مخاطر الانحراف، وإعادة المغرر بهم إلى جادة الصواب». لقد تم عقد الكثير من المؤتمرات والندوات، وطرحت إدانات وتوصيات مماثلة عبر سنوات وعقود في دول عربية وإسلامية عديدة. ولكن جماعات الإرهاب تكاثرت، والأفكار المتشددة انتشرت، وازدادت «الخلايا النائمة» ل «داعش» في ليبيا والعراق وسوريا والأردن والسعودية والكويت، وازدادت بعض الحواضن دفئاً وحناناً بمن اعتبروا من «المجاهدين».. فلماذا؟ قام العرب والمسلمون بمجهودات لا تنكر في مجال تصفية المناهج الدراسية وتنقية الخطب الدينية، وازداد الاهتمام بالتوجيه المنزلي والمعالجة الإعلامية. ولكن ما لفت نظري منذ فترة ليست بالقصيرة أنه ما من مرة تنفجر فيها قضية إرهابية، أو يتعاظم خطر جماعة متشددة إلا ويشار إلى خطيب مسجد في باريس أو بروكسل، أو شيخ دين باكستاني أو عربي أو أفريقي، ظل كل منهم يخطب دون أن يناقشه أحد، ويهاجم دون أن يعري حججه مُحاور، ويلعن ويكفر دون أن يتصدى له من يبعده عن ضحاياه الشابة. وفي أحيان كثيرة يفاجأ المسلمون من المهاجرين المغاربة والجزائريين والسوريين بأبنائهم المتدينين المستقيمين يختفون في رحلات الجهاد، أو المشاركة في عمليات الإرهاب المدمرة لسمعة ومصالح العرب والمسلمين في كل مكان. لماذا كل هذا الانتظار والتجاهل، بينما يدمر هؤلاء الخطباء والشيوخ أجيالاً كاملة، دون أن يصل إلى جمهور المسلمين أي خبر أو علم عن توصيات مؤتمرات مكافحة الإرهاب التي تنعقد في العالم العربي، والأوراق القيمة التي تناقش فيها، وشيوخ الدين والمفكرين الإسلاميين الذين يحاضرون فيها؟ ألسنا جميعاً بحاجة ماسة إلى دراسة هذه الفجوة التي تمنع التواصل؟ ومن يحاسب ويتابع خطباء تلك المساجد ويحذر الناس منهم؟