أثارت الاتفاقية الأوكرانية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي جدلاً كبيراً، للدرجة التي أدت إلى تجميد علاقات الجمهورية السابقة في الاتحاد السوفييتي مع روسيا، التي تجهر علناً بمعارضتها لتوطيد علاقة كييف بأوروبا. والآن، وبعد بضعة أشهر من دخولها حيّز التنفيذ، يبدو أن الاتفاقية تصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي بأكثر مما تستفيد منها أوكرانيا. وهذا لا يعني أيضاً أنها مبادرة لا تنطوي على الفوائد، لأنها تؤشر إلى أن على كييف أن تتبنّى بعض الإصلاحات الاقتصادية المحلية الضرورية، إذا أرادت أن تجني ثمار العوائد طويلة الأمد للتجارة الحرة مع أوروبا. وكانت المحادثات الهادفة إلى عقد اتفاقية تعاون بين أوروبا وأوكرانيا، قد انطلقت عام 2008 ولم تكتمل في صيغتها النهائية إلا عام 2012. وبعد ذلك بعام، رفض الرئيس الأوكراني «فيكتور يانوكوفيتش» التوقيع عليها بضغط من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان يرغب بضم أوكرانيا إلى مشروع «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» الذي يضم دول أوروبا الآسيوية. وأدى رفض يانوكوفيتش التوقيع عليها إلى اندلاع موجة من المظاهرات في كييف، بلغت من القوة الحد الذي دفع به إلى الفرار من أوكرانيا. وسارعت الحكومة الجديدة المؤيدة لأوروبا إلى توقيع الاتفاقية، وتعهدت بالعمل على تأهيل قوانينها، بحيث تنسجم مع المسار الذي تنتهجه أوروبا في مجال التجارة الحرة، والتي تهدف أيضاً إلى إلغاء أو تخفيض التعرفات الجمركية بين الطرفين. ودخل الجزء المتعلق بالتبادل التجاري بين الطرفين حيز التنفيذ منذ بداية شهر يناير الماضي (2016)، لكن البيانات الأولية المتعلقة بتطبيقها لم تكن مشجعة لأوكرانيا. واستناداً إلى بيانات رسمية صادرة عن «الوكالية الحكومية الأوكرانية للإحصاء» المتعلقة بأول شهرين من العام الجاري (يناير وفبراير)، سجل الحجم الإجمالي للسلع والبضائع التي تم تبادلها بين الطرفين انخفاضاً طفيفاً. وسجلت الصادرات الأوكرانية إلى أوروبا انخفاضاً يفوق انخفاض وارداتها منها. وبمعنى آخر، وبغض النظر عن الغضب الذي تشعر به روسيا إزاء هذا التقارب، والتي عمدت إلى زيادة العراقيل أمام التبادل التجاري مع أوكرانيا، رداً على الاتفاقية الأوروبية، انخفض حجم الصادرات والواردات المتبادلة بين أوكرانيا وأوروبا. وبأخذ كل هذه التداعيات بعين الاعتبار، يمكن القول إن الاتفاقية الأوكرانية- الأوروبية كان لها تأثيرها السلبي على الميزان التجاري لأوكرانيا بشكل عام. وليست هذه النتيجة من الأخبار التي يمكنها أن تلقى الترحيب في بلد انخفض فيه الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة إلى أقل من 13.2 مليار دولار، أو ما يكفي لتغطية وارداته الضرورية لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر. ولو نظرنا إلى الأمر بأسلوب الخاسر والرابح، فسوف نستنتج بأن البنود المعلقة بالتعريفات في الاتفاقية الأوكرانية- الأوروبية كانت تصبّ في مصلحة الشركات الأوروبية. ويعود ذلك لأن الاتحاد الأوروبي عمد إلى فرض قيود صارمة على الحصص المسموح باستيرادها من السلع الأوكرانية الأكثر رواجاً. وفي اليوم الأول من شهر أبريل الماضي، كانت حصص الاستيراد الأوروبية من بعض السلع الأوكرانية المفضلة عن عام 2016 قد اكتملت، وبحيث لا يجوز مواصلة استيرادها إلى أوروبا بعد هذا التاريخ ومها: العسل والسكر والذرة والعنب وعصير التفاح وأنواع مختلفة من الحبوب. كما أن حصة الواردات من الكحول الإيثيلي (الإيثانول) كانت قد انتهت أيضاً. وفي اليوم الأول من شهر مايو الجاري، اكتملت حصة استيراد الشوفان إلى جانب القمح والشعير. واقتربت الحصص من البضائع التي تستوردها أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي من الاكتمال عما تبقى من العام الجاري، على الرغم من أننا لم نبلغ منتصفه حتى الآن!. وبعيداً عن المنتجات الزراعية، تصدّر أوكرانيا المعادن، لكن الاتفاقية لم تغير شيئاً من قواعد التجارة بها التي بقيت حرّة منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2008. وارتفعت أسعار الفولاذ بشكل كبير، منذ بداية العام الجاري، وسارعت أوكرانيا للاستفادة من هذا التطور، وخاصة بسبب ارتفاع سعر العملة الرئيسية للتداول التجاري في العالم وهي الدولار. وكان لهذا التطور أن يخفف من الضغوط على الميزان التجاري لأوكرانيا، على الرغم من أن الأرقام والبيانات الرسمية المتعلقة به لم تُنشر بعد. ولكن، ومنذ نهاية شهر أبريل الماضي، عادت أسعار الفولاذ إلى المستوى الذي كانت عليه في شهر مارس. ويشير أحدث التوقعات إلى أن من المرجح أن يرتفع العجز في الميزان التجاري لأوكرانيا مع أوروبا في النصف الثاني من العام الجاري، لأن حصصها من الصادرات الزراعية إلى أوروبا انتهى العمل بها بموجب الاتفاقية، ولن يكون هناك من سبب آخر يمكنه تخفيض هذا العجز. ليونيد برشيدسكي* * محلل سياسي روسيمقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوت وبلومبيرج نيوز سيرفس»