يستهل السيد العلامة محمد علي الحسيني، وهو أمين عام «المجلس العربي الإسلامي» في لبنان، وصاحب مؤلفات يناهز عددها السبعين، يستهل كتابه الذي نعرضه هنا «خطورة الصراعات الطائفية وسبل مواجهتها»، بمقولة الروائي الراحل عبد الرحمن منيف: «لابد من معرفة من تواجه حتى تستطيع مواجهته»، قبل أن يشدد على أن تقاطعات المصالح الدولية التي تمليها الجغرافيا السياسية لمنطقتنا العربية، جذبت جملة من المتنافسين الذين يعملون على فرض إرادتهم بشتى الوسائل، على أن تبقى الفتن الداخلية أولها وأهمها. وذلك ما لا يمكن أن يتأتى لهذه الأطراف الخارجية (سواء أكانت متنافسة أو متعاونة) ما لم تعتمد في إنفاذ مخططاتها على أطراف داخلية، «إذ نشهد بأم العين قيام فئات ضالة كبيرة واسعة الامتداد، بإحداث الانقسام داخل الصف الإسلامي، حيث أصبحنا أمام ظاهرة وجود إسلام داخل الإسلام». وفي ظل هذا الانقسام الداخلي الخطير، يقول السيد الحسيني، طرح تنظيم «داعش» نفسه كحل للصراعات الطائفية المذهبية في المنطقة، مرتكزاً على نظرية «ولاية المتغلب»، القائمة على القهر والسيف. فأصبح الديني في هذه الحالة خادماً للدنيوي، مما يعني تحولاً معاكساً لروح الإسلام ونصوصه. ويتطرق المؤلف للجهة المقابلة، حيث خرج ملالي إيران ببدعة سموها «ولاية الفقيه»، وكرسوا جهوداً كبيرة لإيجاد سند ديني لها. والحال أنه لا وجود لمثل هذه الولاية العامة في الإسلام، والتي هي أشبه ما تكون بنظام التفويض الإلهي الذي وجد لدى المسيحية خلال القرون الوسطى، حين ادعى الرهبان والقساوسة الوكالة الإلهية الحصرية لحكم الكنيسة والتفويض الإلهي. كذلك أصر الخميني وملالي ثورته على نظرية «ولاية الفقيه» كمسوغ للسلطة والتسلط والاستبداد باسم الدين، من دون أي مبدأ إسلامي أو فقهي يقيني واضح، حتى لدى الشيعة. لذلك، يقول المؤلف، لم يجد أولئك الملالي وسيلة لترويج إسلامهم المستحدث سوى النعرات المذهبية واستحضار الخلافات التاريخية، أملاً في جذب الشيعة من مختلف الأقطار إلى صفهم. ومن خلال ذينك المثالين، «داعش» و«ولاية الفقيه»، يبرز المؤلف بعض الدلالات المشتركة، أهمها أن الدين لا يمكن استخدامه لأغراض سياسية إلا بتحريفه وتشويهه، ليصبح عندئذ إسلاماً آخر غريباً لا يمت بصلة للإسلام الحقيقي. فيما تتمحور الدلالة المهمة الأخرى حول توظيف الدين طائفياً لحسابات سياسية أيضاً، حيث يحلو للبعض التحدث عن إسلام سني وآخر شيعي، فيما الحقيقة هي أن الإسلام الواحد ابتلي بجماعة تبغي الشقاق داخل أهل السنة، وجماعة أخرى تريد أخذ المذهب الشيعي إلى التناقض مع أصله الإسلامي. وإذ يعترف المؤلف بوجود تنوع اجتهادي في الإسلام لا يمكن إنكاره، فهو يرفض أن يصبح هذا التنوع مصدراً للانقسام والعداء بين المسلمين، ويرى أن الإشكال القائم بين السنة والشيعة يأتي مصدره من جهل كل طرف بالآخر. ولا يفتأ المؤلف يعود لاستنتاج الأدلة من المثالين، «داعش» و«ولاية الفقيه»، مؤكداً أنهما وجهان لعملة واحدة، إذ لم يعد تواطؤهما خافياً على أحد، فكل منهما يدفع الجميع نحو الاصطفاف في أحد «الفسطاطين»، بحسب مقولة ابن لادن، بل إن «ولاية الفقيه» الإيرانية هي الخطر المنتج لـ«داعش» ومن يقف وراءها، على الأقل بطريقة غير مباشرة. على تلك الخلفية، يتوقف المؤلف عند تساؤلات مهمة: هل التطرف والإرهاب والصراعات الطائفية هي قدرنا المحتوم، كما يزعم منظرو الغرب؟ وهل من نهاية للنفق المظلم الذي تعيش فيه أمتنا؟ وهل من نموذج عملي يحتذى به يقيم المجتمع الإسلامي على أسس عصرية وسليمة، فلا يبتعد عن الدين الحنيف، ولا يجافي التطور والتقدم في عالم يزداد تكاملاً وتعاوناً؟ محمد ولد المنى الكتاب: خطورة الصراعات الطائفية وسبل مواجهتها المؤلف: محمد علي الحسيني الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2015