إن فهم الكارثة السياسية والاقتصادية التي تعانيها فنزويلا ليس أمراً هيناً، لكن ربما يكون الغموض الأكبر هو السبب الذي يجعل الشعب الفنزويلي لا يخرج إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء الثورة الاشتراكية التي دفعت إحدى أكثر دول أميركا اللاتينية وفرة في الموارد، إلى حافة الهاوية. دعونا نبدأ بأحجية أن أكبر دولة في العالم تمتلك احتياطياً نفطياً خاماً، تعاني نقصاً مستمراً في الطاقة. ويعزى ذلك أولاً إلى أنه بدلاً من استغلال النفط في توليد الكهرباء، اعتمدت الحكومة على الطاقة الكهرومائية، بينما أخفقت في التخطيط لمواجهة الجفاف، ومن ثم أهملت بناء محطات طاقة جديدة والاستثمار في بنيتها التحتية المتداعية. ورد الرئيس «نيكولاس مادورو» على أزمة الطاقة بتقليص أسبوع العمل للموظفين الحكوميين إلى يومين، كما أمر بعلاوة 30? من الأجور، فيما يعاني اقتصاد بلاده أسوأ ركود. ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تمثل زيادة الرواتب التي تسعد الجماهير، أهمية في دولة تشهد معدلات تضخم تتجاوز الضِّعف، بينما يصطف المستهلكون في طوابير لساعات بغية شراء سلع أساسية من متاجر البقالة، ناهيك عن وجود شح في السيولة النقدية. والحقيقة أن حكومة «مادورو» ربما فقدت بوصلتها، لكنها لا تزال تسيطر بقبضة حديدية على هذه الدولة، التي يبلغ عدد سكانها 30 مليوناً. ومنحت هذه السطوة المحكمة، مع خلافات الخصوم السياسيين، النظام ميزة التردد الجماهيري حتى في أوقات اليأس. ورغم أنه، قبل خمسة أشهر فقط، سلمت ثورة الناخبين العارمة، المعارضة السياسية التي تعاني ضعف الأداء، السيطرة على البرلمان، بعد أن كان يسيطر عليه «الحزب الاشتراكي المتحد» منذ وصول الرئيس الراحل «هوجو شافيز» إلى السلطة عام 1999، وهو ما يشكك في نسخته من «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». وغذى هذا التغيير آمالاً في أن تكون أيام «مادورو»، وحكومته معدودة. وسرعان ما تحركت المعارضة لتحقيق وعدها الانتخابي من أجل تغيير كاسح، لكنها وصلت إلى طريق مسدود! ماك مارجوليس كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»