نعتقد أنه عندما منح دونالد ترامب فرصة توحيد الحزب، كان رئيسُ مجلس النواب «الجمهوري» بول ريان يعرف أن «ترامب» لن يستطيع القيام بذلك، لأن شخصاً نرجسياً ومتجرداً من المبادئ «المحافظة» مثل «ترامب» لا يستطيع أن يكون «جمهورياً» تصالحياً ومتشبعاً بالحد الأدنى من قيم الحزب. ومع ذلك، فربما لم يكن يخطر على بال «ريان» أن يقوم «ترامب» بإفساد الأمر بهذه السرعة وبهذه الدرجة. ففي غضون بضعة أيام فقط، قال «بول مانافورت» مدير حملة «ترامب» للمحافظين إن أجندة الحزب «الجمهوري» الآن هي كل ما يعتقده «ترامب». ويقول «مانافورت»: «تذكروا أن هذا حزب اسمه الحزب الجمهوري، وليس الحزب المحافظ». إنه رجل ليست له أي إيديولوجيا، حيث يقول للحزب إن معنى أن تكون «جمهورياً» هو المعنى الذي يحدده هو، وما أعظمها من طريقة لتنفير أولئك الذين تمثل السياسة بالنسبة لهم شيئاً أعظم وأكبر من الفوز والخسارة! ثم إن ترامب رجل متقلب، فقد غيّر موقفه من الحد الأدنى للأجور وهو الآن يتعهد بزيادة الضرائب. وبالتالي، فعلى أولئك الجمهوريين الذين كانوا يقولون إن على الحزب أن يتوحد خلفه، وإلا فإنه ستصبح لدينا زيادات في الضرائب، ورفع للحد الأدنى للأجور يقتل الوظائف، ورعاية صحية اشتراكية، أن يبحثوا عن ذريعة جديدة الآن لدعم الملياردير. وبعد أن دعموه على أمل أن يدوم مخططه الخاص بالضرائب بعد ترشيحه، يبدو زعماء المنظمات المعارضة للضرائب الآن كأغبياء. الأمر لا يتعلق فقط بافتقار «ترامب» للمبادئ المحافظة، وإنما بافتقاره لأي مبادئ كيفما كانت. ولعل الأدهى بالنسبة للجمهوريين هو أن ترامب بات يرى الآن أن الحزب ليس في حاجة للتوحد بالضرورة: «هل يجب على الحزب أن يكون موحداً؟ هل ينبغي أن يكون موحد الصفوف؟ إنني مختلف جداً عن الآخرين... إنني لا أعتقد ذلك في الواقع». أليس هذا هو الرجل نفسه الذي كان يقول قبيل أسابيع قليلة فقط إنه قادر على توحيد الحزب؟ في الوقت الراهن، يتمتع ترامب بدعم أقل من 85 في المئة من «الجمهوريين»، وهو معدل جد متدنٍ في تاريخ الحزب. وبالنظر إلى هذا العدد الكبير من الانشقاقات ومشاكل ترامب الكبيرة مع النساء والأقليات، فإنه يقوم بتقديم الولايات على طبق من فضة لهيلاري كلينتون، فقد وجد استطلاع حديث للرأي أن المتنافسين متعادلان من حيث الأرقام في جورجيا (وهي ولاية «حمراء» تصوت تقليدياً للحزب الجمهوري). وعليه، فقد يكون ترامب أول مرشح رئاسي في التاريخ لا يرغب في أصوات من الحزب الذي ينتمي إليه! بيد أن ترامب وأتباعه قد يصابون بالصدمة إذا علموا أن لدى «الجمهوريين» خياراً لرفضه الآن وفي نوفمبر، ذلك أنهم يستطيعون إيجاد مرشح ثالث، ويستطيعون تقسيم أصواتهم (التصويت لديمقراطي في الرئاسة وجمهوري في مجلس الشيوخ)، ويستطيعون أيضاً البقاء في بيوتهم وعدم المشاركة في الانتخابات. وعندما يقرر «الجمهوريون» (مثلما يفعل الآلاف منهم كل يوم) أن «ترامب» لا يصلح لشغل منصب الرئيس، فإن أي شعور بالذنب تجاهه سيختفي. بيد أن سلوك «ترامب» الأخير لا يعمل إلا على تشجيع «الجمهوريين» على إيجاد مرشح ثالث. وفي هذا الصدد، يقول «بيل كريستول»، رئيس تحرير مجلة «ويكلي ستاندرد» اليمينية، الذي يتزعم جهود إيجاد شخص من هذا القبيل: «أعتقد أن ترامب هو ترامب، وأنا لا يمكنني أن أدعمه»، مضيفاً «ولكن بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يأملون ألا يكون نزقاً وعديم المسؤولية مثلما يبدو، وأن يكون ثمة ترامب جديد، فإن الأيام الأخيرة تُظهر أن تلك الآمال كانت بلا طائل. فإليكم ترامب الجديد – الذي هو نفسه ترامب القديم!». وعلاوة على ذلك، فإن ثمة مخاوف متزايدة من إمكانية خسارة أغلبيتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب في حال لم يتم إيجاد مرشح ثالث لتشجيع «الجمهوريين» على المشاركة بكثافة في الانتخابات. والأكيد أن ريان لن يضحّي بأغلبيته من أجل تطويعها وتكييفها مع مرشح نزق يتجه نحو هزيمة كبيرة. وعليه، فما لم يتبن ترامب المبادئ «المحافظة» ويتحول إلى شخص جديد كلياً، فلا شك في أن «الجمهوريين» سينفضون من حوله بحلول الخريف المقبل. والواقع أن المشاكل المتعلقة بشخصية «ترامب» كبيرة جداً (عدم الصدق، التعصب، معادة النساء، النزق، إلخ) لدرجة أن ثمة «محافظين» كثيرين لن يتقبلوه أبداً. ونظراً لسلوكه خلال الأيام القليلة الماضية، فيمكن القول إن ترامب نفسه يسهّل على الجمهوريين المتشبعين بمبادئ الحزب رفضه، ويؤكد على الحاجة لمرشح ثالث ذي شخصية قوية وبرنامج مختلف عن مقترحات ترامب/كلينتون الذي تصب جميعها في اتجاه تكريس فكرة «الحكومة الكبيرة». باختصار، إن الجمهوريين ليسوا في حاجة لطرد «ترامب»، لأن ترامب طرد نفسه منذ مدة! جينفر روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»