كانت بنجلاديش تفخر دائماً بعلمانيتها وتسامحها الديني. والحق أنها تُعتبر نموذجاً مشرقاً لتعايش الإسلام والديمقراطية؛ غير أن كل ذلك أخذ يتغير بسرعة الآن مع صعود الأصولية الدينية في البلاد التي باتت تشهد عنفاً متزايداً ضد الأقليات، وخاصة الهندوسية، ولكن أيضاً ضد الكُتاب والمؤلفين والمدوّنين المسلمين والهندوس الذين يلجؤون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم من الفظاعات المتزايدة التي ترتكب في البلاد. ذلك أن الأصوليين الإسلاميين لا يستهدفون الأقليات فحسب، بل يستهدفون كل من يعلّق على الأمور الدينية ويكافح دفاعاً عن حقه في حرية التعبير. فجريمة القتل الأخيرة التي تعرّض لها الخياط الهندوسي "نيخيل جوردر" على أيدي أتباع جماعة إسلامية، على خلفية ادعاءات لا أساس لها، وأثارت استياءً عاماً بين الجالية الهندوسية في البلاد. وخلال الثلاث سنوات الماضية، قُتل أكثر من 20 شخصاً، من بينهم مدونون وأكاديميون وأجانب هندوس ومسلمون وأقليات دينية. وفي وقت سابق من هذه السنة، قام متشددون مسلحون بالسواطير بقتل رجل يدعى "رسول كريم صديق"، أستاذ اللغة الانجليزية بجامعة راجشاهي، بتهمة واهية هي نشر الإلحاد في الجامعة، ادعاء تنفيه ابنته وزملاؤه في الجامعة جملة وتفصيلا، مشددين على أن الأستاذ كان رجلا يخاف الله ولا علاقة له بالسياسة. ويُعتبر صدّيق رابع أستاذ في الجامعة يُقتل بوحشية من قبل أتباع جماعة إسلامية؛ ويقال إن سبب قتله ربما كان يتعلق بمشاركه في تنظيم فعاليات ثقافية، وخاصة تأسيس مدرسة موسيقية في باجمارا التي تعد معقلا لـ"جمعية مجاهدي بنجلاديش" الإسلامية المحظورة. ومعلوم أن الثقافة، ولاسيما الموسيقى، تُعتبر شيئاً مرفوضاً بالنسبة للمتعصبين الإسلاميين باعتبارها منافية للدين. وحتى الآن، أقدمت القوى المتشددة على قتل 20 شخصاً بشكل وحشي، من بينهم خمسة علمانيين، بسبب نضالهم من أجل حرية التعبير في البلاد. غير أن "جمعية المجاهدين" وتنظيمات أخرى أعلنت ولاءها لـ"داعش" لا تقتل غير المسلمين فحسب، وإنما تستهدف أيضا المسلمين الذين لا يتبنون أيديولوجيتها. وعلى سبيل المثال، فإن محمد خضير خان، الرئيس السابق لـ"مجلس تنمية الطاقة بنجلاديش" والمعلم الديني المتخصص في الصوفية، تعرض للقتل أيضاً. ولم يسلم الأجانب أيضاً من عنف هذه الجماعات؛ حيث تعرض أجنبيان – عامل مساعدات إيطالي "سيزار نتفيلا" والمزارع الياباني "كونيو هوشي" - للقتل بوحشية. العديد من المدونين والناشرين والكتّاب الذين وجدوا أسماءهم على قائمة المهدَّدين بالقتل التي نشرها "فريق أنصار الله بنغلا"، إما فروا من البلاد، أو يعيشون مختبئين خوفاً على أرواحهم. وقد قام أحد المدونين الذين غادروا البلاد مؤخرا بنشر تدوينة مؤثرة على الإنترنت تتأسف على صمت الحكومة التي لم تفعل شيئا للرد على قتل عدد من المدونين، من بينهم أفيجيت روي، وهو مدوّن أميركي- بنغالي، كان يدافع عن حرية التعبير من خلال مدوناته وما ينشره على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الرقابة الحكومية وسجن المدونين الملحدين. وقد تعرض روي للقتل من قبل الإرهابيين المسلحين بالسواطير. إن بنجلاديش تواجه اليوم تهديداً وجودياً؛ وما لم تسارع الحكومة لاتخاذ خطوات فعلية لإطلاق هجوم شامل على أعضاء "فريق أنصار الله بنغلا" و"جمعية المجاهدين ببنجلاديش"، فإن الوضع قد ينفلت ويخرج عن نطاق السيطرة. بيد أن المفاجئ والغريب هو أنه، وباستثناء الانتقادات في الجرائد الدولية حول التعصب المتزايد في البلاد، فإن العديد من البلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بل وحتى الهند المجاورة، تؤثر الصمت حول الموضوع. ويتعين على الحكومة أن تدرك أيضاً أن تقاعسها عن التصدي لهؤلاء إنما يجعل المجموعات المتطرفة أكثر قوة وجرأة ويشجعها على تنفيذ المزيد من الهجمات ضد القوى العلمانية. وقد لا يكون بعيداً اليوم الذي قد تُستغل فيه هذه المجموعات من قبل تنظيمات إرهابية مثل "القاعدة" و"داعش"، ليس من أجل الحصول على موطئ قدم في المنطقة، فحسب ولكن أيضاً على فرصة لدفع شباب البلاد إلى التشدد. وتأسيساً على ما تقدم، يتعين على الحكومة أن تقوم قبل فوات الأوان بشن هجوم شامل على هذه المجموعات الأصولية، حتى لا تسقط البلاد في دوامة العنف الذي سيُجهز على الطابع العلماني لبنجلاديش. فينكاتشلام كي. إس صحافي ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون نيوز سيرفس"