في السياسة عموماً، وفي الانتخابات الديمقراطية على وجه الخصوص، تكون كل الاحتمالات أو السيناريوهات مفتوحة وواردة الحدوث، حتى تلك التي قد يستبعدها المراقبون ويعتقدون أنها مستحيلة الحدوث، لهذا يفضل عند دراسة أو مراقبة ظاهرة معينة وضع كل الاحتمالات قيد البحث، على الأقل لأن المراقبين ليسوا هم من يقررون نتائج الانتخابات، وربما خير مثال على ذلك فوز صادق خان، ابن المهاجر الباكستاني، ليكون أول عمدة مسلم للعاصمة البريطانية لندن، حيث لا زالت أصداء فوزه تدهش الكثيرين في العالم. كما أن فوز باراك أوباما بالرئاسة في الولايات المتحدة، ليكون أول رئيس أميركي من أصول أفريقية هو كذلك، كانت أحد الخيارات المستبعدة، لكن مفاجآت الديمقراطية حدثت معه مرتين، الأولى اعتبرها البعض «ضربة حظ»، نظراً لغضب الناخب الأميركي من سياسات بوش الابن والجمهوريين عموماً، لكن تكرر المشهد بعد أربع سنين، وكان مفاجأة لكثير من المراقبين في العالم. في الدول المتقدمة أو الباحثة عن صناعة نفسها، فإن منهج «الاحتمالات» شائع الاستخدام لديها، بل هو أساس التعامل، ليس فقط في مواجهة الكوارث الطبيعية، لأنها تحدث فجأة، وإنما في السياسية أيضاً، وفي الظواهر الاجتماعية كلها، وذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها أنك تتعامل مع قناعات، وفي بعض الأحيان أمزجة الناس (سيكولوجيات أشخاص)، وبالتالي يكون التعامل مع احتمال حدوثها أفضل طريقة للتعامل الواقعي والموضوعي. والسبب أو العامل الآخر، هو أن «انطباعات» البشر في أي مكان من العالم تتأثر بموقف معين، وقد يكون هذا التأثر لحظياً، بمعنى أن الناخب ربما لا يكون مقتنعاً بشخص ما، لكن نتيجةً لموقف لحظي معين يختاره ليمثله، لأنه يعبر عن غضب معين لرفضه سياسة معينة أو قائداً بذاته. وعلى سبيل المثال، فقد اختار المصريون الرئيس «الإخواني» محمد مرسي ليس لأنه المناسب، لكن كان ذلك تعبيراً عن رفض عودة نظام حسني مبارك، لكنهم اكتشفوا بعد فترة بسيطة خطأهم في الاختيار. اتخاذ القرارات، خاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية، يحتاج إلى وضع السيناريوهات المدروسة بدقة، وكذلك وضع كل الاحتمالات مهما كانت مستبعدة، وقد يحدث أن تجيد بعض الدول الصغيرة هذا المنهج، مما يجعلها صاحبة نفوذ وتأثير ليس في نطاقها الإقليمي فحسب، وإنما في العديد من القضايا الدولية أيضاً. ولعل العالم اليوم أمام احتمال مثير فيما يتعلق بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المنتظرة، وإن كان الكثير من المراقبين يحاولون استبعاده، ألا وهو احتمال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بمنصب الرئيس في الولايات المتحدة. بل إن البعض يبالغ في استبعاده هذا الاحتمال إلى درجة القول بأن الحزب الجمهوري لن يختار ترامب ليمثله في مواجهة المرشح الديمقراطي، لكن بالعودة إلى الخبرة التاريخية لصندوق الاقتراع، بدءاً من فوز أدولف هتلر بالانتخابات في ألمانيا في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان عنصرياً مثل ترامب، إلى فوز أحمدي نجاد في إيران، مع أنه كان «يزعج» أغلبية الإيرانيين ويهدد الاستقرار العالمي.. فإنه لا ينبغي استبعاد أي احتمال أو سيناريو في التعاطي مع الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. ولعل ذلك ما يجعل من المهم بالنسبة للعرب إخضاع «ظاهرة ترامب» للبحث والتحليل من أجل الاستعداد له بل وتجهيز أدوات التعامل معه، أو على الأقل لتقليل حجم الخسائر المتوقعة في حالة وصوله لرئاسة البيت الأبيض، لأن الولايات المتحدة ليست بالدولة الهامشية التي يمكن أن يتجاهلها أحد، انتظاراً لانتهاء فترة رئاسية. وبشكل عام، يحذِّر دارسو علم الاجتماع من خطورة تجاهل بعض المؤشرات، ولو كانت صغيرة. وكثيراً ما حدث أن تفاجأت الدول العربية بحدوث تغيرات في السياسة الدولية دون استعداد لها، وسيعانون إلى أن يستطيعوا فهم واستيعاب التعامل مع سيكولوجيات السياسيين والمجتمعات. الإدارة الأميركية الحالية وقفت مع «الإخوان» ضد الحكومات العربية، ووقعت الاتفاقية النووية مع إيران، وهي اتفاقية كانت في وقت ما من المستحيلات. ولعل السبب هو أن العرب «تخدروا» بنظرية الحليف الاستراتيجي، أو أنهم لم يستطيعوا استخدام منهج السيناريوهات، وعجزوا عن أن يضعوا في الاعتبار إمكانية البحث عن (ماذا لو؟!). لذلك يجدر بالعرب وغيرهم اليوم السعي نحو التعرف على كيفية التعامل مع الإدارة الأميركية القادمة، باعتبار أن احتمال فوز ترامب هو احتمال قائم ومطروح بقوة. النقطة المهمة هنا أنه قبل أن يتم طرح أسئلة على شاكلة: كيف وصل ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض؟ أو القول بأن وصوله كان مفاجئاً.. فإنه على صناع القرار في العالم أن يكونوا على قناعة بأن للديمقراطية «مفاجآتها»، كما أن الناخب في أي مكان في العالم، بما في ذلك الناخب الأميركي، يمكن أن يغير من قناعاته في لحظة «عاطفية» معينة، وبالتالي فالواقع يفرض علينا الاستعداد لذلك الاحتمال!