أعلن رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو الخميس الماضي عزمه الاستقالة من حزب العدالة والتنمية، والدعوة إلى مؤتمر استثنائي للحزب الحاكم في 22 مايو الجاري، لانتخاب رئيس جديد للحزب. ووصف أوغلو صاحب نظرية «تصفير المشكلات» الشهيرة في خطابه أردوغان بكلمة «رفيق» باللغة العربية مؤكداً أن علاقته به هي علاقة أخوة وصداقة لن يفرط فيها مهما حصل، قائلاً باللغة العربية: «الرفيق قبل الطريق». منذ أن تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى السلطة عام 2002 نجح أردوغان عبر سلسلة خطوات تكتيكية في أن يتحكم حزب العدالة والتنمية في الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة) وسعى بشكل دؤوب إلى تحويل نظام الحكم التركي من برلماني إلى رئاسي، ولكن هذه إشكالية، فالديمقراطية كمفهوم وممارسة تتطلب الإجماع والتوازن والفصل بين السلطات، وفي الواقع تكمن مشكلة النموذج السياسي في تركيا في علاقة بنية وطبيعة النظام السياسي من جهة، والخيارات السياسية للبلاد من جهة أخرى، فالدستور التركي الحالي وضع في عام 1982 إثر الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال كنعان إيفرين عام 1980، ويشير وفق المادة 8 إلى أن السلطة التنفيذية تمارَس وتنفذ من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء حيث وضع «إيفرين» آنذاك صلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة لمنصب رئاسة الجمهورية لإحكام سلطته على النظام السياسي في البلاد. وعلى رغم ذلك بقي النظام السياسي التركي نظاماً برلمانياً حيث يقوم الشعب باختيار ممثليه في البرلمان، الذين يقومون بدورهم باختيار رئيس للجمهورية، إلا أنه في عام 2007، أجريت بعض التعديلات الدستورية هدفت إلى انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وبالتدريج أصبح النظام السياسي التركي نظاماً هجيناً بين النظام الرئاسي والبرلماني فلا هو نظام برلماني خالص يتمتع فيه رئيس الحكومة بصلاحيات واسعه وينال الثقة من البرلمان المنتخب إذ إنه للرئيس صلاحيات واسعة وفي الوقت نفسه، هو منتخب مباشرة من الشعب. ومن المعروف سياسياً أنه يستحيل الجمع بين نظام برلماني فعال ورئيس دولة منتخب يتمتع بصلاحيات واسعة، أي أن يكون للسلطة التنفيذية رأسان. ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية يونيو 2015 تزايد الحديث عن الانتقال إلى نظام رئاسي كأولوية، إلى جانب أولوية وضع دستور جديد للبلاد أيضاً، إلا أن حصول الحزب على 317 مقعداً برلمانياً لا يعطيه الصلاحية الدستورية لإقرار النظام الرئاسي أو إقرار دستور جديد للبلاد إذ يتطلب الأمر الحصول على أكثر من ثلثي أصوات البرلمان أي 367 صوتاً من أصل 550، أو إلى 333 صوتاً برلمانياً للدعوة إلى استفتاء شعبي للتعديل الدستوري، ولكن من الواضح أن غالبية الأحزاب باستثناء حزب العدالة والتنمية تعارض تحويل النظام إلى نظام رئاسي وتفضل الإبقاء على النظام البرلماني لضمان الإبقاء على قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد وتؤيد إعداد دستور جديد لتركيا. وفي الواقع سعى أردوغان إلى التمسك بالنظام الرئاسي أصبح النظام السياسي التركي نظاماً رئاسياً يتمحور حول شخصية أردوغان بعد أن انتخب رئيساً لتركيا باقتراع شعبي مباشر في أغسطس 2014. وفي الحالة التركية استمر التوافق بين رئيس الدولة أردوغان ورئيس الحكومة أوغلو لفترة من الزمن ولكن كان لابد للخلافات السياسية أن تظهر للعلن. *كاتبة إماراتية