تنفرد سلطنة بروناي (المملكة الإسلامية الملايوية) بأنها تشكل نموذجاً يدمج بين الهوية الوطنية والاعتزاز بالتراث والتقاليد (الحكم المتوارث)، وبين الإسلام كدين ونهج للحياة. وتنقل الباحثة رشا العقيدي في دراسة لها عن بروناي عن فيكتور مينالدو قوله: «إنّ صلابة أنظمة الحكم المركزية تكون إيجابية، خصوصاً في المراحل الأولى لتشكيل الدولة، عندما يتحتم عليها اتخاذ قرارات سريعة، كما أنّ طبيعة الحكم الملكي تمكّنها من التحكّم في سرعة التغيرات الجيوسياسية، فلا تشهد الفوضى التي غالباً ما تشهدها الديمقراطيات». وهو ما يصدق على السلطنة الصغيرة. في شهر مايو من عام 2015 أثار السلطان حسن بلقية الجدل حين أعلن عن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. تمّ بالفعل البدء بتطبيق الشريعة الإسلامية في بروناي على ثلاث مراحل خلال سنوات ثلاث: المرحلة الأولى تشمل الغرامات المالية وأحكاماً بالسجن على جنايات مثل الإنجاب من غير زواج، والتبشير بدين آخر غير الإسلام، وعدم حضور صلاة الجمعة. أما المرحلة الثانية، فتشمل عقوبات صارمة مثل الجلد، وقطع الأيدي على جنايات أخرى. أما المرحلة الثالثة المقرر تطبيقها في أواخر العام المنصرم، أو مطلع هذا العام، فستضم إعدامات بما فيها الرجم لجنايات مثل الزنا، والإجهاض، والشذوذ الجنسي، والتجاوز على الذات الإلهية. وتشير رشا العقيدي إلى أن المثير أن هذه الإجراءات تأتي استجابة للرغبة المتزايدة لمسلمي جنوب شرق آسيا في حكم أكثر إسلامية يستند إلى الشريعة كما أوضحت دراسة مكثفة أجرتها مؤسسة «بيو» للدراسات، حيث تبين أن نسبة تتراوح بين 72-86% من مسلمي جنوب شرق آسيا يرغبون في حكم الشريعة. وأياً يكن فقد أظهرت بروناي قدرتها على التجاوب مع المتطلبات الحديثة لمواطنيها مع الاحتفاظ بتقاليد نظامها، فالثروة النفطية في البلاد مكنت الحكومة من تقديم خدمات هائلة لسكانها أبعدت عنها خطر الشكوى والمظالم، كما أنّ النهج الديني المحافظ للإسلام قد تمّ استيعابه ضمن هوية ملايوية خاصة لا يفضل الدين على اللغة أو التقاليد، بل يكمّل أحدهما الآخر بشكل أدى إلى سيادة الاستقرار والشرعية والتلاحم الداخلي. وتبقى هناك حاجة للترقب حول ما إذا كان قانون تطبيق الشريعة الإسلامية الذي أعلن عنه عام 2014، وبدأت خطواته التنفيذية، سيؤثر على النمط الديني السائد في السلطنة والانسجام والسلم الأهلي، حيث أشار تقرير «مراسلون بلا حدود» عن حرية الصحافة لعام 2016، إلى أن بروناي شهدت تدهوراً مأساوياً يُعزى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية التي شجعت الرقابة الذاتية. وهناك خبراء أشارت إليهم الدراسة يذهبون إلى أن إعلان بروناي عن تطبيق الشريعة ضمن الأطر القانونية سيساعد على ترويض النزعة نحو «الخلافة»، في وقت يزداد فيه عدد مسلمي جنوب شرق آسيا من المهاجرين للقتال في سوريا، وعشرات آخرون تمّ إلقاء القبض عليهم وهم يهمّون بالسفر للقتال. وكمثال، فإن جزر المالديف التي تدين غالبيتها الساحقة بالإسلام، تشهد تنامياً في التطرف، ونزوعاً نحو تطبيق الحدود في بلد سياحي. ويمكن التأكيد على دراسة مسألة ذات صلة، وهي أن النفرة العالمية من «خلافة» تنظيم «داعش»، عليها ألا تحجب رؤية الدارسين عن إدراك أن المجتمعات الإسلامية المحافظة قد تجد في حد أدنى من التزام الشريعة حماية لها من انزلاق أبنائها نحو الإرهاب ودعاية «الخلافة»، مع الأخذ في الاعتبار أن إسلام مجتمعات شرق آسيا كان على الدوام يمثل الاعتدال والتسامح الذي جعله الرئيس الأميركي أوباما قدوة تحتذى.