مما لا شك فيه أن التعليم العالي من أهم المحطات الأكاديمية والعلمية والعملية للمجتمعات لسببين رئيسيين. أولاً، أن التعليم العالي هو الجسر الذي يربط أجيال الشباب بسوق العمل، وثانياً أنه يساهم بقوة في دعم الاقتصاد الوطني للدول بالخريجين المزودين بالعلم والمعرفة والمهارات. وبالرغم من أن معظم الخريجين في دول العالم يتوقعون توفر الوظائف لهم بعد التخرج، فإنه لا توجد حكومة قادرة على ضمان توفير وظائف لكافة الخريجين. ولكن هناك بعض الحكومات التي أولت قضية تنظيم سوق العمل بناء على مخرجات التعليم العالي أهمية كبرى، ونجحت إلى حد كبير في هذا الأمر. ومن أمثلة ذلك ما قامت به بعض الحكومات في المملكة المتحدة من توجيه مؤسسات التعليم العالي بضرورة دمج المنهاج الأكاديمي مع الخبرة العملية لتحسين العلاقة بين مخرجات تلك المؤسسات وسوق العمل. وكان الهدف الاستراتيجي، هو خلق قوة عمل وطنية قادرة على المنافسة عالمياً. وقد قامت العديد من الجامعات البريطانية بتعديل مناهجها، لكي تلائم التوجه الرسمي للحكومة ومن تلك الجامعات نيو كاسل ولوتون واللتان قامتا بدمج المهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل ضمن المناهج. أضف لذلك قيام الجهات الرسمية البريطانية بإنشاء «المؤهلات الوطنية المهنية NVQ»، والتي تنظم العلاقة بين الجامعات وأصحاب الأعمال. والمثال الثاني من أستراليا، والتي قادت فيها عدة حكومات جهود كبرى لإحداث تغيير جذري في المناهج الأكاديمية في العديد من مؤسسات التعليم لتركز بشكل أساسي على تزويد الطلبة بالمهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل. وقد استجابت العديد من الجامعات، ومنها جامعة «جيمس كوك»، للجهود الحكومية وقامت بتطوير مناهجها لكي تناسب متطلبات سوق العمل. والمثال الثالث من جنوب أفريقيا، والتي ظل التعليم العالي يلعب هناك دوراً محورياً ومهماً في تطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك فقد أولت الحكومات اهتماماً خاصاً بالتعاون مع مؤسسات التعليم العالي لتحسين المناهج بهدف إكساب الخريجين المعرفة والمهارات المطلوبة لسوق العمل. وفي هذا الإطار أسست الدولة «الإطار الوطني للمؤهلات NQF»، والذي يركز على توحيد المهارات المطلوب إكسابها للطلبة أثناء الدراسة الجامعية. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تجري جهود حكومية ضخمة منذ إنشاء الدولة لتأسيس الجسر الملائم بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وذلك من خلال العمل على تطوير المناهج الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي الحكومية لكي تحتوي على المهارات والمعارف المطلوبة لسوق العمل. إضافة لقيام الجهات الحكومية المسؤولة عن التوطين بطرح الدورات التدريبية المكثفة للخريجين لإكسابهم بعض المهارات والمعارف الخاصة بسوق العمل لتسهيل عملية اندماجهم في المهام الوظيفية عند حصولهم على العمل المناسب. ولكن الملاحظ أن تلك الجهود تتركز فقط في المؤسسات الثلاث الحكومية الرئيسة وهي: جامعة الإمارات العربية المتحدة، جامعة زايد وكليات التقنية العليا مع غياب أي دور لمؤسسات التعليم العالي الخاصة في توحيد جهودها مع جهود مثيلاتها الحكومية في تزويد الطلبة المواطنين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل. وبالتالي أصبح من الضروري توحيد الجهود والسياسات بين كافة مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة في تزويد الطلبة المواطنين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل وخاصة مع اتجاه الدولة بقوة لترسيخ اقتصاد المعرفة. وأرى أن من الأهمية بمكان دراسة تأسيس إطار وطني يسمى «المعايير الوطنية المهنية» يكون تحت إشراف وزارة التربية والتعليم. ويهدف الإطار إلى تأسيس العلاقة بين الدولة والتعليم العالي وسوق العمل من خلال وضع استراتيجية وطنية تتضمن تحديد احتياجات سوق العمل من المهارات من خلال البحوث والدراسات الميدانية، والتأكد من تضمين كافة مؤسسات التعليم العالي في الدولة لتلك المهارات وتقييم عمل الجامعات في هذا المجال، وذلك بهدف ضمان أفضل المخرجات الوطنية من التعليم العالي لسوق العمل.