في العام الماضي، عاد موضوع الإرهاب ليهيمن مرة أخرى على الأنباء المتعلقة بالأمن القومي، ذلك لأن الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس ومقديشو وإسطنبول وبروكسل- ومدن أخرى كثيرة غيرها- قد جرى تنفيذها من قبل جماعات تزداد عنفاً على الدوام مثل حركة «الشباب»، وجماعة «بوكو حرام»، و«داعش». وعلى الرغم من بشاعة تلك الهجمات، فإن خبراء الإرهاب يخشون من التداعيات التي يمكن أن يشهدها العالم، إذا ما نحت تلك التنظيمات لشن هجوم كبير باستخدام الأسلحة النووية، أو البيولوجية، أو الكيماوية، ومثل هذا الهجوم ممكن الحدوث، فنحن نعرف بالفعل أن الجماعات العنيفة مثل «داعش» و«القاعدة» وفروعهما، تحاول جاهدة الحصول على المواد التي يحتاجونها، لشن هجوم باستخدام أسلحة الدمار الشامل، ومنع هذه الجماعات من القيام بذلك أمر تكتنفه صعوبات عدة، والمسألة هنا لا تتعلق بفرض ضوابط وقيود محلية قوية على تلك التقنيات فحسب؛ لأن تلك الجماعات، يمكنها من الناحية العملية، الحصول على المواد اللازمة لشن هجوم باستخدام أسلحة الدمار الشامل من دولة معينة، ثم شن الهجوم نفسة في دولة أخرى. وتفيد الأنباء، إلى أن تنظيم «داعش» قد قام بذلك بالفعل، عندما استخدم أسلحة كيماوية في هجوم شنه على بلده بالقرب من كركوك في شمال العراق. يضاف لذلك أنه ليس بمقدور حكومة دولة واحدة إحكام إغلاق حدودها تماما،ً لمنع وقوع مثل هذا الهجوم؛ لأن الحيلولة دون شن هجوم بأسلحة الدمار الشامل يحتاج إلى تعاون دولي واسع النطاق. وفي حين تحظى الجهود الرامية لحظر الانتشار النووي، ومنع الإرهاب من خلال آليات مثل «قمة الأمن النووي» بتغطية إعلامية واسعة؛ إلا أن ذلك لا ينطبق على الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة، التي اشتغلت منذ فترة من الزمن- بعيداً عن شاشات الرادار- على مجهود أكثر طموحاً للمنع الكامل لإرهاب أسلحة الدمار الشامل. الاتفاقية الوحيدة لمنع الانتشار بدأ هذا المجهود عام 2004، عندما وافق مجلس الأمن الدولي على القرار رقم 1540، الذي ألزم جميع الدول، للمرة الأولى، بتبني سياسات وممارسات لإبقاء التمويل، والتقنيات، والمواد اللازمة لتصنيع أسلحة دمار شامل بعيداً عن متناول «الفاعلون دون مستوى الدول»، وتلزم الإشارة في هذا السياق، إلى أنه كان هناك بالفعل، اتفاقيات قائمة تهدف للتحكم في انتشار أسلحة الدمار الشامل بين الدول، ولكن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1540 سعى بشكل خاص للتعامل مع التهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية التي يشار إليها بمسمى «الفاعلون دون مستوى الدول» في المقام الأول. من الناحية الواقعية، يلزم القرار دول العالم بمراقبة مؤسساتها، وتجارتها، ومواطنيها، ومنعهم من تمويل، أو بيع، أو إعطاء مكونات تلك الأسلحة للفاعلين دون مستوى الدول، مع منح المجلس تفويض بفرض ضوابط تجارية ملائمة وفعالة على التجارة الدولية. جدليات الصدور ونظراً لأن هذا القرار جرى تمريره بموجب صلاحيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فإنه أصبح إلزاماً دولياً إجبارياً، على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والاتفاقية العالمية الشاملة الوحيدة لمنع الانتشار في الوقت نفسه، وقد أثار القرار الكثير من الجدل عند تمريره في مجلس الأمن، وسبب هذا الجدل أن القرار، من جهة، صدر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة، وعقب الكشف عن حقيقة أن العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان، قد استخدم شبكة من الشركات الخاصة، لتجنب ضوابط وقيود منع الانتشار، وبيع، التقنيات النووية لباكستان. ومن جهة أخرى، لأن الولايات المتحدة، كانت قد غزت العراق في العام السابق على اتخاذ القرار، بذريعة أن صدام حسين كان يعمل على تطوير أسلحة دمار شامل. وهكذا فإنه في حين أضفت المخاوف المتنامية بشأن إرهاب أسلحة الدمار الشامل، قدراً كبيراً من الإرادة السياسية على جهد الأمم المتحدة في هذا الشأن؛ إلا أن غزو الولايات المتحدة للعراق عزز من مخاوف بعض الدول من احتمال سعي مجلس الأمن لمعاقبتها على عدم التماشي مع بنوده، بطريقة قاسية. كما أن صدور هذا القرار، كان يعني من جهة ثالثة أن الأمم المتحدة تلامس موضوعات حيوية تتعلق بالأمن القومي للدول. مع ذلك، فإن بعض الدول الأخرى عارضت القرار، لأنها رأت من وجهة نظرها أن الالتزامات المفروضة بموجب القرار ستكون مكلفة، وصعبة. إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1540 قد مثل توسعاً جوهرياً للسلطات الممنوحة لمجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية، في الوقت نفسه الذي تمت فيه إزاحة الدول غير المنخرطة في عملية صنع القرار للخلف. ومن حسن الحظ أن معظم هؤلاء الإرهابيين، غير مهتمين بإرهاب أسلحة الدمار الشامل، أما هؤلاء الذين يفعلون ذلك (مثل جماعة «اوم شينريكيو» الإرهابية اليابانية التي نفذت عملية بالغازات السامة في مترو طوكيو عام 1995، أو القاعدة وداعش اليوم) فلم يحققوا سوى نجاح ضئيل في ذلك. 3 وسائل رئيسية التحدي الرئيسي في هذا السياق، هو أن التأكد من حصول الجماعات الإرهابية على المواد، والتقنيات والمعرفة المطلوبة لصنع، واستخدام، وإيصال أسلحة الدمار لشامل لأهدافها، سيظل صعباً حتى بعد أن أصبحت أقل تكلفة، وأكثر توافراً في الأسواق العالمية، وهذا تحديداً ما يسعى القرار رقم 1540 إلى تحقيقه بثلاث وسائل رئيسية. أولاً: أن يكون القرار شاملاً بمعنى أن يُجمّع الكثير من الأسلحة المختلفة تحت قاعدة واحدة، فقبل صدور القرار، كانت جهود التحكم في الأسلحة تدريجية ومتفاوته؛ حيث كانت هناك اتفاقيات مختلفة، تحد من استخدام فئات معينة من الأسلحة. أما المنهج الذي يتبناه القرار 1540 فيتمثل في إخضاع كل أسلحة الدمار الشامل لمعيار واحد، بالإضافة لذلك فإن مفهوم «الشمول» الذي يؤكد عليه يغطي ليس فقط الأسلحة نفسها، وإنما أيضاً التمويل، والتصنيع، والإنتاج، والنقل، لأي مكون من المكونات التي يمكن استخدامها في تصنيع هذه النوعية من الأسلحة الفتاكة. ثانياً: القرار من حيث الجوهر، عبارة عن تفويض عالمي، ملزم في كل مكان، وفي كل دولة من الدولة، على النقيض من الاتفاقيات، والمعاهدات السابقة المتعلقة بمنع الانتشار. والقرار إلى جانب ذلك، يمثل معياراً عالمياً موحداً، يتطلب من جميع الدول ضرورة العمل على تبني السياسات اللازمة لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وهذا لا ينطبق على أي من أدوات حظر الانتشار النووي بما في ذلك معاهدة الانتشار النووي (NPT) ومعاهدات الأسلحة البيولوجية والكيماوية. وهناك دول عديدة مثل كوريا الشمالية، والهند، وباكستان، وإسرائيل- إلى جانب دول أخرى – تملصت من التوقيع، أو المصادقة على تلك الاتفاقيات. ومطلوب من تلك الدول، مواكبة القرار 1540 الذي ينطوي على إمكانيات جوهرية للتأثير على جهود منع الانتشار على المستوى العالمي. 3. أن القرار رقم 1540 يشجع الدول على الامتثال لبنوده بدلاً من فرض العقوبات عليها. تسمح صلاحيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للمجلس بفرض نطاق كامل من الإجراءات كالعقوبات مثلاً لإجبار الدول على الالتزام ببنوده. ولكن وبدلاً من الاعتماد على فرض تكاليف مادية جراء عدم التماشي مع بنوده، عمل مجلس الأمن على تشكيل لجنة أطلق عليها اسم «لجنة 1540» ومجموعة أطلق عليها اسم « مجموعة الخبراء» يكون دورها المساعدة على تنسيق وتعزيز الجهود الرامية لضمان التماشي مع بنود القرار. تتكون هذه اللجنة من ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وتعتبر مسؤولة عن مراقبة تنفيذ القرار من جهة، والتنسيق والتقريب بين الدول المقدمة للمساعدات، وبين الدول التي تقدمت بطلبات للحصول عليها. أما «مجموعة الخبراء» فمهمتها التواصل مع الحكومات، وتوعيتها بشأن مسؤولياتها في منع الانتشار، وتقديم النصيحة لها بخصوص السياسات والإجراءات الفعالة التي يمكن لها اتباعها من أجل تحقيق هذا الهدف، الأمر الدال في هذا السياق، هو أن مجلس الأمن الدولي، وعبر السنوات التي مضت منذ تمرير القرار، قد أصدر قرارات متعاقبة توسع من نطاق تفويض لجنة 1540، وتؤكد على مسألة الانخراط الخلاق، وتمنحها أولوية على التنفيذ القهري. ويقول الخبراء الذين تحدثنا معهم في هذا الشأن إنهم يستخدمون الالتزام الذي خلقه قرار مجلس الأمن 1540 لحث الدول على العمل من أجل القبول ببنوده والتماشي معها. القرار 1540.. هل نجح؟ الإجابة نعم؛ على الرغم من أنه يستحيل الحكم على فعالية القرار النهائية في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في اللحظة الحالية. فمع أن القرار لم ينفذ بشكل كامل حتى الآن، إلا أن مؤيديه، حققوا نجاحاً ملحوظاً في إقناع الدول الأخرى بالقبول بالالتزامات التي يفرضها عليهم القرار، واعتبارها مشروعة. فعلى سبيل المثال، لم تعد الحكومات تناقش مسألة صلاحية القرار، على الرغم من اختلافها بشأن اتساع التفويض الممنوح له، والسرعة التي يجب أن يستجيبوا بها للالتزامات التي يفرضها عليهم. وفي حين أن ثلث عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، هي فقط التي اهتمت بإرسال تقاريرها الأولية المطلوبة في السنة الأولى، إلا أننا نجد في الوقت الراهن أن ما يزيد عن 90 في المئة من الحكومات العالمية، قد استوفت متطلبات التقارير المطلوبة منها، وعملت مع اللجنة المعنية من أجل تنفيذ القرار. يتحدث خبراء منع الانتشار العالميين عن القرار 1540 باعتباره قرارا مركزياً لجهود الأمن العالمي. ما هو أكثر من ذلك أن القرار يبدو وكانه يؤثر على السياسات والممارسات. وهناك أربعة أساليب تبرز في هذا السياق: الأول: تنفيذ التفويض، حيث تستخدم العديد من الدول المعايير، والقواعد، والإجراءات المستمدة من جهود منع الانتشار الأخرى مثل مجموعة «مجموعة الموردين النوويين» و«نظام التحكم في تنقية الصواريخ»، وهو ما يزيد من عدد الدول العاملة من أجل استيفاء متطلبات المعايير الصارمة لمنع الانتشار التي وضعتها هذه الاتفاقيات المهمة. «النووي» الإيراني الثاني: أن الاتفاق النووي الذي جرى التفاوض بشأنه والاتفاق عليه مع إيران الصيف الماضي، يستخدم حرفياً عبارة Bow to stern الواردة في القرار 1540 وترجمتها من «مؤخرة السفينة حتى مقدمتها» (التي تتعلق باعتراض وتفتيش السفن التي يشك في حملها لمواد دمار شامل محظورة) باعتبار أن التفتيش الكامل لمنشآت إيران النووي يعد معياراً ضرورياً لإعادة دخول إيران للاقتصاد العالمي مرة أخرى؛ وهو ما يمثل دلالة واضحة على أن نهج القرار 1540 يتحول الآن ليصبح إطاراً عاماً لمنع الانتشار بكل صوره. الثالث: نظراً لأن قرار مجلس الأمن 1540 يجمع كل أسلحة الدمار الشامل في سلة واحدة، فإن الخبراء في مجال معين من تلك الأسلحة يمكنهم التعلم من خبرات نظرائهم في المجالات الأخرى. ويمكن القول إن قرار الأمم المتحدة رقم 1540 يعيد على نحو ما تدوين كتاب قواعد عدم الانتشار، وقادتنا السياسيون وخبراؤنا، وأكاديميونا والمجتمع المدني، لديهم من دون أدنى شك، مصلحة في الاستمرار بالانخراط في السجال الدائر حول مستقبله. تقاسم الخبرات الدولية الأغلبية العظمى من دول العالم، باتت الآن تؤيد القرار 1540 وتنخرط في تنفيذه، ويرجع هذا جزئياً، لحقيقة أن الدول الداعمة للقرار، لم تدفع باتجاه تفعيله من خلال التهديدات أو العقوبات، وإنما اعتمدت بدلاً من ذلك على تقاسم الخبرات، وتقديم الدعم اللازم للالتزام ببنود القرار للدول التي تحتاج إلى ذلك، وبات هذا القرار في الوقت الراهن، قادراً على تغيير الكيفية التي تواجه بها الدول تهديداً كبيراً للأمن العالمي. قوانين وإجراءات أكثر شمولاً منذ المصادقة على القرار 1540 تقوم الحكومات، بإصدار قوانين أكثر شمولاً، لتنظيم التجارة في التقنيات ذات الصلة بأسلحة الدمار الشامل، وهذه الدول تستشهد في غالب الأحيان بالالتزامات التي فرضها القانون في هذا الشأن. - -- -- - - - - برايان آر. إيرلي* و مارك تي نانس** ـ ـ ـ ــ ـ ـ *أستاذ مشارك للعلوم السياسية ومدير مركز الأبحاث السياسية في جامعة «ألباني» بولاية نيويورك **أستاذ مساعد العلوم السياسية بمدرسة الشؤون العامة والدولية في جامعة نورث كارولينا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»