د.عبدالله جمعة الحاج* د.عبدالله جمعة الحاج* ــ ـ ـ ــ ـ ـ ــ ـ ـ خلال العشرين عاماً التي مضت ظهرت إلى السطح العديد من الحركات الباكستانية المتطرفة إلى جانب "طالبان" كـ"عسكر طيبة" وجماعة "الشهباء" وجماعة "الأحرار" و"الجماعة الإسلامية" ــ ـ ــ ـ ـ ــ د.عبدالله جمعة الحاج* ــ ـ ــ ـ ـ ـ ــ في عيد الفصح الماضي تعرضت مجموعة من المسيحيين الباكستانيين لضربة موجعة من العنف السياسي الذي أودى بحياة عدد لا يستهان به من البشر الأبرياء، لأسباب تعود إلى العنف المرتبط بكراهية الآخر، وهي فيما يبدو ظاهرة متأصلة في المجتمع الباكستاني منذ أن تأسست هذه الدولة التي تقطنها أغلبية مسلمة "سنة وشيعة" في مقابل مكونات المجتمع الأخرى، وذلك في أعقاب خروج بريطانيا من شبه القارة الهندية وتقسيمها إلى دولتين، هما الهند وباكستان. إن الأمر اللافت للنظر هو أنه خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة أو نيف عدد الممارسات العنفية المرتبطة بالهجمات الانتحارية ضد العديد من الأقليات المكونة للمجتمع الباكستاني قد زاد بشكل كبير، وتشير بعض الإحصاءات إلى أن في الفترة منذ بداية شهر أبريل 2016 وصلت حالات الاعتداء إلى ما يقارب 65 ألف حادثة، وهو رقم مخيف بكل المقاييس البشرية، الدينية والأخلاقية. والمحير في الأمر هو أنه لا توجد تفسيرات مقنعة حتى الآن تشير إلى الأسباب الحقيقية التي تدفع إلى كل ذلك العنف في الوقت الذي لا توجد فيه مؤشرات تكشف عن الجهات أو الأفراد الذين يقفون خلف مثل هذه التصرفات، أو إلى كيفية إمكان مواجهتهم أو إيقافهم عن مثل هذه الأفعال أو جلبهم للوقوف أمام العدالة لمساءلتهم. الأنباء التي تخرج وتصل إلى العالم تقول بأن "طالبان باكستان" هي غالباً التي تقوم بذلك، فهي "الشماعة"، التي تعلق عليها حالياً تبريرات وتفسيرات العنف الحادث في باكستان. لكن واقع الحال يوضح بأنه خلال العشرين عاماً التي مضت ظهرت إلى السطح العديد من الحركات الباكستانية المتطرفة إلى جانب "طالبان" كـ"عسكر طيبة" وجماعة "الشهباء" وجماعة "الأحرار" و"الجماعة الإسلامية"، التي لكل منها برامجه وأهدافه وتطلعاته الاجتماعية والسياسية، ويمارس عدد منها العنف لتحقيقها. ولكي تتضح حقيقة موجات العنف الشديد هذه لابد من الإشارة إلى أن الدولة والحكومة الباكستانية ذاتها لم تسلم أو تستثنى من ذلك، ففي نهاية عام 2014 قامت جماعة "طالبان" باكستان بمهاجمة مدرسة عامة تابعة للجيش الباكستاني، نتج عنها مقتل حوالي 150 من طلابها وأساتذتها والعاملين فيها، ما دفع الحكومة في نهاية المطاف إلى شن حملة على مستوى القطر ضمن خطة موسعة تهدف إلى اجتثاث العنف والتطرف والإرهاب. ويبدو بأن ذلك التحرك جاء بعد ضغط شديد من الجيش الباكستاني عليها للقيام بفعل ما تجاه ما يحدث في البلاد. والغريب في أمر الحملة التي تشنها الحكومة أنها لم تأت بنتائج ملموسة، لأن جزءاً كبيراً منها تم توجيهه نحو الانقضاض على المدارس الدينية، التي يعتقد بأنها هي الحاضنة الأولى لزرع التطرف والإرهاب والعنف والكراهية والبغضاء، وهو أمر قد يكون صحيحاً جزئياً، لكنه لا يمكن أن يؤخذ على علاته بأنه هو السبب الوحيد لكل ما يحدث في مجتمع يعشعش فيه الفقر والجهل، وتسوده ثقافة عشائرية وقبلية وعرقية وإثنية ومذهبية متأصلة. ويُضاف إلى ذلك أن الحكومة قامت بالتركيز على تسريع المحاكمات التي يتهم فيها أشخاص بممارسة الإرهاب أو العنف، وبإعادة الحكم بعقوبة الإعدام للأشخاص الذين يثبت بأنهم إرهابيون، وذلك عن طريق تعديل دستوري يمهد الطريق لمثل تلك الأحكام. ما تم القيام به حتى الآن قد يقود بعضه إلى الحد من الظاهرة، لكن الحقيقة ربما تكمن في أماكن أخرى من زوايا المجتمع الباكستاني ومن مناحي الدولة الوطنية القائمة في باكستان، وهذه الزوايا والمناحي لها خصوصياتها التي نشأت وتطورت منذ قيام الدولة الباكستانية، فهذا القطر قام على تقسيم مفاده خلق دولتين في شبه القارة الهندية، لكن الأجزاء التي قامت عليها باكستان منذ البداية بشرقها وغربها (باكستان الحالي وبنجلاديش) لم تكن تحظى بالموارد الاقتصادية التي يمكن لها إعاشة شعب بهذه الضخامة البشرية، الأمر الذي تولد عنه ظواهر فقر وبطالة، وفساد إداري ومالي، وتفكك اجتماعي، ولدت في نهاية المطاف ظواهر جديدة كنتائج حتمية للظروف القائمة، أبغضها الإرهاب والعنف والتطرف، وهي ظواهر لا يمكن معالجتها بالوسائل الترقيعية القائمة.