في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن تغير المناخ في شتى أرجاء العالم تواجه الهند كارثة مزدوجة، فالهند تواجه أزمة مياه من ناحية سببها الجفاف، ومن ناحية أخرى ارتفعت درجات الحرارة في كثير من أنحاء البلاد حتى قبل بلوغ موسم الصيف ذروته. وتضرر نحو 330 مليون نسمة في 256 مقاطعة في الهند من أسوأ جفاف تشهده البلاد منذ عدة عقود. وأعلنت 11 ولاية من ولايات الهند التسع والعشرين الجفاف فيها بعد عامين من الأمطار الموسمية الأقل من المتوسط. وحدثت أزمة المياه هذا العام ووصلت قمتها بسبب موسمين ضعيفين متواليين في الأمطار الموسمية بسبب ظاهرة «النينو» ودفء مياه المحيط الهادي التي أثرت سلباً على سقوط الأمطار الموسمية، وكل عام تعبر الرياح الموسمية الجنوبية الغربية محملة بالأمطار فوق جنوب الساحل الهندي، هذا يحدث خلال الأسبوع الأول من يونيو ثم تنتقل شمالاً ثم تتوغل في شبه الجزيرة الهندية ثم تتجه شرقاً قبل أن تتقهقر بحلول نهاية سبتمبر، ومع مرورها على البلاد تعيد تزويد الخزانات بالمياه وتغذي الأنهار التي يستمد معظمها مياهه من الأمطار. والرياح الموسمية الضعيفة مع نقص في الأمطار أثر بشدة على اقتصاد البلاد، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء وخفض توقعات النمو الاقتصادي، ورغم أن هناك توقعات باحتمال سقوط أمطار أكثر من المعتاد، هذا العام لكن الأمطار لن تسقط إلا في يونيو، مما يعني أن الحفاف لن يتزايد إلا سوءاً في الأسابيع القليلة المقبلة. وفي الهند يعمل نحو 60 في المئة من الهنود في الزراعة والخدمات المتعلقة بها، مما يعني أن ضعف المحصول من المقرر أن يضر كثيراً بالعمال، ويؤدي إلى خفض إنفاق المستهلك الريفي، وهذا يعني أن تأثير الجفاف يستطيع أن يضر بالنسبة المتوقعة التي تزيد على سبعة في المئة من النمو في الاقتصاد. وتكافح الحكومة حالياً لتوصل المياه إلى أسوأ المناطق تضرراً. وتتخذ الحكومة في الوقت نفسه إجراءات لمنع وقوع أضرار أكثر على الزراعة، لكن المزارعين يتعرضون بالفعل لضغوط شديدة، وانتحر عدد كبير منهم لعجزهم عن سداد الديون التي اقترضوها من البنوك. وفي حزام قصب السكر في ولاية «مهاراشترا»، لا تتوافر حتى المياه الأساسية للشرب في مئات القرى، ورغم أن السلطات تحاول اتخاذ إجراءات طارئة، لكن تقارير من المناطق المتضرر تشير إلى أن إجراءات الحكومة ليست كافية، ويجري إرسال قطارات محملة بالمياه كل يوم إلى أشد المناطق تضرراً في ولاية «مهاراشترا». وتقدم السلطات أيضاً مياه الشرب إلى الأسر المتضررة في ولاية تيلانغانا في جنوب البلاد وسيظل وضع الطوارئ هذا قائماً إلى حين وصول الأمطار الموسمية في يونيو، وهاجر مزارعون من هذه الولاية إلى مناطق حضرية بالآلاف بحثاً عن عمل، ويتصاعد الغضب الشعبي وسط أسئلة بشأن تعامل الحكومة مع مواردها من المياه. وتثور أسئلة أيضاً بشأن إذا ما كان هذه الحدث الاستثنائي سببه تأثيرات تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، لم يتلق ساحل ولاية أوريسا أي مياه في الشهور السبعة الماضية رغم أنه من المعتاد أن يسقط عليه كثير من الأمطار في هذه الفترة. ومما زاد الموقف سوءاً هو استمرار موجة الحر. وبدأت تتصاعد بشدة درجات الحرارة رغم أن ذروة الصيف التي تمتد عادة من منتصف مايو إلى منتصف يونيو لم تحل بعض. وفي كثير من المناطق التي ضربها الجفاف في البلاد تفاقمت الأوضاع مع تجاوز درجات الحرارة 45 درجة مئوية، مما أودى بحياة مئات الأشخاص وأثار مخاوف من تبخرها بوتيرة أسرع لمخزون المياه المنخفض بالفعل. وذكرت مصلحة المياه المركزية الهندية أن مستويات التخزين في 91 خزان مياه في الهند، وهي توفر المياه أيضاً لتوليد الكهرباء لم يعد بها من المياه إلا 20 في المئة من سعتها التخزينية، مقارنة مع 27 في المئة كانت موجودة بها الشهر الماضي. وطالبت السلطات في أكثر المناطق تضرراً من السكان أن يبقوا في منازلهم، وحددت السلطات أقصى عدد ساعات للعمل اليومي بست ساعات منها ثلاث في الصباح المبكر وثلاث أخرى في الساعات المتأخرة من النهار. وبينما لقي 2422 شخصاً حتفهم العام الماضي بسبب موجة الحر، فقد لقي أكثر من 300 شخص حتى الآن حتفهم هذا العام بالسبب نفسه في مناطق متفرقة من البلاد. وفي الوقت الذي تضيف فيه أزمة الجفاف وموجة الحر المزيد من البؤس على حياة ملايين الهنود، فإن السؤال الحقيقي يتعلق بمدى قدرة الهند على إدارة المياه. ومع تزايد نمو السكان ومع تزايد الطلب على مخزون المياه، فلا شك في أن البلاد في حاجة على الفور إلى البدء بالتخطيط لإدارة ثروتها من المياه بشكل أفضل وإلا ستصبح أزمة المياه مشكلة متواترة واعتيادية في المستقبل. د. ذِكْرُ الرحمن