أخيراً أصيب المفاعل النووي الفرنسي الذي أقيم في إسرائيل وبالتحديد في ديمونة بالشيخوخة تماماً مثل الأب الروحي له وهو شمعون بيريز، بعد أن حقق الهدف المطلوب منه بتوفير السلاح النووي لإسرائيل. بدأ المفاعل حياته بعد سنوات قليلة من نجاح دافيد بن جوريون في إقامة الدولة الإسرائيلية عام 1948، حيث كان الخوف على وجودها مسيطراً على القيادة الإسرائيلية نتيجة لوجودها في محيط عربي معاد. كان الضامن الوحيد لأمان الدولة في ذلك الوقت عنصراً خارجياً يتمثل في حماية الدول الغربية لها، وكان هناك حلم مهيمن على ذهن القيادة وهو إيجاد عنصر داخلي يضمن قدرة الكيان الناشئ على ردع العرب بنفسه. لم يكن الحلم نابعاً فقط من اعتبارات أمنية وعسكرية بل كان يتغذى أيضاً من ينبوع الفكر الصهيوني الذي اهتم بتحويل شخصية اليهودي، - الذي عاش محاصراً في الحي المغلق على اليهود في المدن الأوروبية (الجيتو) مستسلماً للاضطهاد الأوروبي المسيحي طوال العصور الوسطى، من شخصية خانعة ذليلة إلى شخصية مقاتلة ذات جسارة وقدرة على ردع الأعداء. كانت الرؤية الاستراتيجية النووية الإسرائيلية مؤسسة على فرضية أن تجد إسرائيل نفسها وحدها يوماً ما في مواجهة الأعداء العرب خاصة إذا ما تعارضت مصالح الدول الغربية الحامية لها مع أطماعها التوسعية في العالم العربي. من هنا تم تكليف بيريز بملف الحلم النووي فحمله إلى فرنسا في الخمسينات. كانت فرنسا آنذاك مكروهه في العالم العربي كقوة استعمارية، وهذا ما سهّل على بيريز الاتفاق مع حكومتها على بناء مفاعل نووي للأبحاث بطاقه 24 ميجاوات في ديمونة. يرجح الباحثون الغربيون أن المفاعل بدأ العمل في مطلع الستينيات ثم أصبح قادراً على إنتاج اليورانيوم اللازم لصناعة السلاح النووي في نهاية العقد. وأعتقد شخصياً أن المفاعل البحثي كان مجرد ستار استخدمته إسرائيل وفرنسا لإخفاء حقيقة أن اليورانيوم المخصب كان يصل جاهزاً إلى إسرائيل سراً. وقد لعب هذا المفاعل دوره المطلوب. لقد امتزجت في هذه الرؤية الاستراتيجية النووية أسطورة توراتية هي أسطورة شمشون القادر على قهر الأعداء وهدم معبدهم على رأسه ورؤوسهم إذا ما تبين أن النصر سيكون من نصيبهم. لقد تم ترويج الأسطورة وربطها بالسلاح النووي عن طريق المصادر الإسرائيلية، وذلك لزرع الرعب في نفوس العرب وإقناعهم بأن إسرائيل ستكون جاهزة لتدميرهم وتدمير نفسها معهم إذا ما عرّضوا وجودها للخطر. من هنا سميت اللحظة التي ستضطر فيها إسرائيل لاستخدام السلاح النووي «خيار شمشون» في المصادر الإسرائيلية. ومع ذلك سنلاحظ أن المستوى الرسمي الإسرائيلي يلتزم بمفهوم مزدوج يقوم من ناحية على عدم الجهر بامتلاك سلاح نووي، ومن ناحية ثانية على عدم الجهر بنفي هذا الأمر، وهو ما يسمى مفهوم «الغموض النووي». ومن العلامات الدالة على جدية احتمال امتلاك إسرائيل لسلاح نووي ما تذكره مصادر روسية وأميركية من أن أجهزة «الجيجر» الخاصة بقياس مستويات الإشعاع النووي قد سجلت ارتفاعاً أثناء حرب أكتوبر 1973 في مرحلة الهجوم الكاسح الذي قامت به القوات العربية في سيناء والجولان. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان يشعر بأن نهاية إسرائيل وشيكة وأن الطريق أمام المصريين أصبح مفتوحاً إلى تل أبيب. لقد كشفت الوثائق السرية الإسرائيلية حول حرب أكتوبر، لحظات اليأس الشديد عند القيادة الإسرائيلية، وقبل أن يصل المدد العسكري عن طريق الجسر الجوي الأميركي. ورغم هذا يبقى هناك احتمال أن يكون كل الترويج الإسرائيلي غير الرسمي عن وجود السلاح النووي لدى إسرائيل وربطه بمفاعل ديمونة مجرد إيهام للعرب يراد منه إلقاء الرعب في نفوسهم وهو احتمال لا أستطيع استبعاده على الأقل من الناحية النظرية.