هناك تصوّر سائد يرى أن الإنسان يمكنه أن يتفوّق بالعلم وحده، وهذا التصوّر فرعٌ من تصوّر آخر يرى أن الإنسان، وإذا شئنا الدقة، إنسان هذه المنطقة، بمجرد توفير بيئة علمية‏? ?وبحثية ?متطورة ?له، ?يمكن ?أن ?يساهم ?في ?تغيير ?وجه ?العالم، ?ويمكن ?بجيل ?واحد ?مؤهل ?علمياً ?الدخول ?في ?سباق ?الحضارة. ومن يستمع لنسخة هذه المنطقة من قصة نجاح زويل، لا يرى فيها سوى بطل واحد. في مستهل القصة زويل يدوّن الملاحظات وهو في قاعة بجامعة في بنسلفانيا، وفي العقدة زويل منهمك في العمل على أجهزة الليزر بمعهد في كاليفورنيا، وفي الخاتمة زويل يصعد منصّة التكريم في ستوكهولم ويتسلّم الجائزة. هكذا، يُطرح اسم أحمد زويل، المصري الأميركي الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، كشاهد على أننا قادرون على التفوّق لو توفرت لدينا جامعات ومعاهد بمستوى الجامعات والمعاهد التي حصل زويل على الدكتوراه منها، وعمل وأجرى أبحاثه فيها. أما التفاصيل الأخرى الكثيرة فنتجاوزها بخفة كأنّ الأمة الأميركية استيقظت في الصباح لتتفاجأ بأن التفاصيل قد وُجدت من تلقاء نفسها. التفاصيل الأخرى في حكاية كل أبناء هذه المنطقة ممن برزوا في الغرب، لا ترتبط بالعلم من قريب أو بعيد، وإنما بالفكر، وبالنظر، وبالرؤية، وبالحكمة، وبالتدبّر، وبالتأمل، وبالصدق مع الذات، وبالاعتراف بالخطأ، وبالتحلي بالتواضع، وبتسمية الأشياء بمسمياتها، إلى آخره من أمور لا يتعلمها المرء من الفيزياء أو الكيمياء. التفاصيل الأخرى تتعلق بأسئلة من قبيل: ما الحاجة لرفع مستوى الجامعات؟ ولم نخصص الأموال الطائلة للأبحاث العلمية؟ وما شروط البيئة التي يمكن أن يبدع فيها الإنسان؟ وماذا نفعل ليشعر طالب الجامعة بأن الأمر يستحق العناء؟ وكيف نشعر الباحث بأن نهضة بلده تتوقف على مجهوده ومجهود زملائه؟ وكيف نوصل رسالة لمن يملك أفكاراً خلاقة بأن ثمة جهة مستعدة لاحتضانه؟ وكيف نغرس في روح الموظف الإيجابية؟ والتفهّم؟ والدقة؟ والمبادرة؟ وما العقلانية؟ وما الموضوعية؟ وماذا يعني الرأي؟ وماذا تعني المعلومة؟ وما الفرق بين الاستنتاج القائم على معطيات، والاستنتاج القائم على انطباعات؟ وما أهمية التخصص؟ وماذا يمكن أن تقدم لنا حرية التعبير؟ وما دور الصحافة؟ وما أهمية فكرة المواطنة؟ وماذا يعني لنا الماضي؟ وكيف نعد العدة للمستقبل؟ وما الغاية من وجودنا في هذه الحياة؟ وهل القضية مجرد أيام نعيشها في دنيا نكرر ليل نهار أنها زائلة؟.. وليست مبالغة إذا قلت إن الأسئلة «غير العلمية» لا نهاية لها. مثل هذه الأسئلة، وليس معادلات الفيزياء، أو تراكيب الكيمياء، أو حل الأحجيات الحسابية، هي التي أسست أرضية التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي في الغرب، وهذه الأسئلة التي نهضت بتلك الدول، وهي التي وفرت بيئة الإبداع للنابغين من أبناء هذه المنطقة، فلمعوا هناك، وأذهلوا العالم من هناك. العلم من حيث هو المقابل للفكر، لا كمقابل للجهل أو الشك، يمكن أن يشغل لنا الإنسان الآلي، والذي يمكن أن نحشوه بعلم صناعة السيارات مثلاً، أو العقاقير، ثم نطلقه في المصنع وننتظر النتائج، لكن العلم لا يمكنه وحده أن يصنع لنا الإنسان المتفوّق، والذي يصنع بالمناسبة الرجل الآلي نفسه.