في العام الماضي، حثت بعض الأصوات المؤثرة بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) على عدم رفع أسعار الفائدة خوفاً من أن ذلك من شأنه إبطاء النمو العالمي وزيادة الاضطرابات المالية. وقد أنصت مسؤولو البنك بأدب، ثم رفعوا أسعار الفائدة في شهر ديسمبر، وبعد ذلك توقفوا. ونظراً للتطورات الأخيرة في أسواق صرف العملات الأجنبية، ربما تتساءل بعض هذه الأصوات ما إذا كان يتعين على الاحتياطي الفيدرالي استئناف إجراءاته في رفع الأسعار. ويعكس هذا التفكير- الذي يبدو متقلباً- الظروف غير المواتية التي برزت نتيجة اتباع مزيد من السياسات الاقتصادية غير المتوازنة لفترة طويلة، وذلك من قبل أهم الاقتصادات اتساقاً في العالم. وتشمل هذه الظروف الثلاثية تشكيلاً من أسعار الصرف في اقتصاد متقدم يبدو أنه لم يعد يستجيب «بصورة طبيعية» للفروق في أسعار الفائدة؛ وتدابير سياسية جزئية يتضاءل تأثيرها بالمقارنة مع الآثار التي ستنجم عن اتباع نهج أكثر شمولاً، والمخاطر المتزايدة لنقل موجات عدم الاستقرار إلى أسواق المال العالمية. وفي الاقتصادات التي تعمل بشكل طبيعي، من شأن الارتفاع في أسعار الفائدة أن يساعد على إبطاء النمو الاقتصادي كونه يجعل الاستهلاك والاستثمار الذي يحركه الاقتراض أكثر تكلفة. وهذا سيكون له تأثير متزامن على تدفقات الأموال عبر الحدود، ما يجذب تدفقات أعلى حيث يسعى المستثمرون للاستحواذ على عائدات مالية أكبر. والارتفاع الناتج في العملة قد يجعل الصادرات أيضاً أقل قدرة على المنافسة، ما يضيف إلى التباطؤ الاقتصادي. وقبل اجتماع لجنة السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في شهر ديسمبر، كان البعض - من بينهم صندوق النقد الدولي - يشعر بقلق يمكن فهمه من أن ارتفاع سعر الفائدة من قبل أهم بنك مركزي في العالم ربما يعرقل الاقتصاد العالمي، الذي لم يتمكن بعد من تأسيس قاعدة مالية واقتصادية راسخة بما فيه الكفاية. وحتى مع اعتراف هؤلاء الخبراء بأن الولايات المتحدة كانت في وضع أفضل من الاقتصادات المتقدمة من حيث النمو وخلق فرص العمل، إلا أنهم أعربوا عن قلقهم من أن ارتفاع معدلات الاحتياطي الفيدرالي ربما تمتص رأس المال من الأسواق الناشئة، وتؤدي إلى مزيد من التباطؤ العام في النمو، وتخاطر بحدوث عدم استقرار مالي عالمي. ومن الناحية النظرية على الأقل، فإن الخطوة الصغيرة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي نحو تشديد السياسة النقدية قوبلت على نحو أكبر بسياسة أقل صرامة اتبعتها ثلاثة بنوك مركزية أخرى ذات أهمية - الصين ومنطقة اليورو واليابان. ومع نشر مزيج من أسعار الفائدة الأقل، بما في ذلك الأسعار السلبية في أوروبا واليابان، وشراء الأصول على نحو يتسم بالسرعة، بذلت البنوك الثلاثة جهودا حثيثة لتحفيز الطلب، سواء كان بصورة مباشرة أو من خلال محاولة خفض قيمة عملاتها. وبعد مرور بضعة أشهر، كان تأثير ذلك على العملات العالمية سلبياً، وبدلاً من انخفاضهما، ارتفع اليورو والين بصورة ملحوظة مقابل الدولار، ما أضاف إلى الرياح المضادة للاتجاه بالنسبة للنمو والتضخم. وفي الأسبوع الماضي، وضعت وزارة الخزانة الأميركية خمس دول، من بينها الصين واليابان وألمانيا على قائمة المراقبة. وستتم مراقبة ممارسات الصرف الأجنبي لهذه الدول عن كثب لتحديد ما إذا كانت تحصل على ميزة تجارية غير عادلة. فما الذي يفسر إذن اضطراب أسواق صرف العملات؟ بعد نقطة معينة، يمكن للفروق في أسعار العملات أن تفقد فعاليتها في دفع أسواق الصرف. وحتى إذا لم يكن هذا هو الحال، فإن التأثير المأمول على النمو سيتم هزيمته من قبل مشاكل أكثر انتشاراً، ونقص الطلب الكلي، وظهور عدم مساواة مثير للقلق ناهيك عن الكثير من المديونيات المفرطة. وهذا سبب آخر للتحذير من استمرار الاعتماد على ما ثبت أنه سياسة اقتصادية غير متوازنة للغاية. وكلما طالت الفترة التي استمرت فيها الدول في اعتمادها الزائد على البنوك المركزية - وفشلت في التحول إلى استجابة لسياسة أكثر شمولية - كلما زاد الخطر من أن الاقتصاد العالمي سيتكبد تكاليف تقلب أسعار العملات مع الحصول على القليل، إن وجد، من فوائد تحركات سعر الصرف المأمولة. *رئيس مجلس التنمية العالمية في إدارة أوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»