فيما يواصل الرئيس أوباما منهج «تسجيل المآثر»، تحدثت روايات كثيرة هذا الأسبوع حول متاعب يواجهها في هذا السبيل؛ من أبرزها تلك التي تناولها أندرو روس سوركين، كاتب العمود السياسي في مجلة «نيويورك تايمز»، حول إنجازاته الاقتصادية بعد أزمة عام 2008. ونقتطف مما جاء في رواية سوركين ما يلي: «قبل شهرين، وحول طاولة تحتل وسط غرفة اجتماع في مصنع يقع بمدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا، كان أوباما يتحدث معي حول مشكلة رأس المال السياسي. وقال إن الجهود المضنية التي بذلها لإعادة بناء الاقتصاد الأميركي وإنقاذه من الأزمة المالية لعام 2008، كانت تُواجه بالتحدي والعرقلة من أصحاب التوجهات اليسارية واليمينية والوسطى على حدّ سواء. ثم أشار إلى اعتقاده بأن تلك الجهود لم تقدّر حق قدرها، وأضاف: وكنت في الحقيقة أقارن أداءنا الاقتصادي بأداء بقية دول العالم التي اعتمدت خططاً للإصلاح المالي للخروج من أزماتها المستعصية عبر التاريخ. ووفقاً لهذا المقياس المقارن، ربما نكون قد نجحنا في إدارة أزمتنا بأفضل من أي اقتصاد ضخم آخر على وجه الأرض خلال التاريخ المعاصر». وينتاب أوباما الشعور بأن ما يكفيه هو النظر والتمعّن في العالم الذي يحيط به حتى يرى كيف أن اقتصاد الولايات المتحدة أصبح الآن في وضع أفضل مما كان يتمناه عامة الناس. وخاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار مدى عمق وتعقيد الأزمة المالية والاحتمال الذي كان قائماً في بدايتها من أن الأمور قد تؤول إلى ما هو أسوأ بكثير. وخلال سلسلة من النقاشات التي نظمها أوباما في «المكتب البيضاوي» وفي القاعدة الجوية التي تستضيف الطائرة الرئاسية وفي ولاية فلوريدا، كان أوباما يعتمد أسلوب التحليل، ويتحدث أحياناً بصراحة تثير الدهشة، حول كل عنصر من عناصر أجندته الاقتصادية منذ أصبح رئيساً للولايات المتحدة. ولا شك في أن اقتصادها أصبح أفضل مما كان يتوقعه معظم الناس. وخلال فترة عمله في هذا المجال، والتي دامت 73 شهراً، أضاف القطاع الخاص 14.4 مليون منصب عمل جديد، وهو رقم قياسي لأطول فترة استدامة للنمو الوظيفي في الولايات المتحدة. وفيما كان معدل البطالة في نفس العام الذي تقلد فيه أوباما منصب الرئيس قد بلغ 10?، وهو الأعلى منذ 1983، فإنه انخفض في عهده حتى بلغ الآن 5?. كما أن عجز الميزانية انخفض بنحو 1 تريليون دولار، بينما تخطى معد النمو الاقتصاد الأميركي معدلات النمو في جميع الدول المتطورة دون استثناء. لكن رغم نجاحه في التصدي لأزمة 2008، فإن هناك معلومات تشير إلى أن إدارته لم تستطع إنجاز العمل الكافي للتعامل مع التغيرات التقنية التي شهدها الاقتصاد الأميركي منذ ما قبل وصوله إلى البيت الأبيض. ويتطرق سوركين إلى بعض هذه التغيرات مثل الأتمتة التي شهدها قطاع التصنيع والتي أدت إلى تخفيض عدد مناصب العمل. لكنّ سوركين ذاته سجّل قصوراً واضحاً في التعرّض للتغيرات التركيبية التي شهدها اقتصاد الولايات المتحدة، وللنتائج السياسية التي أدت إليها. ولتدارك هذا القصور، يمكنك مطالعة كتاب «أطفالنا»، لروبرت بوتنام، أو قراءة مقدمة مقال الغلاف لعدد مايو 2016 من مجلة «أتلانتيك» للمحلل نيل جالبير التي تضمنت الحقائق التالية: «منذ عام 2013، أجرى مجلس إدارة الخزينة الفيدرالية سلسلة استطلاعات للوقوف على الوضع المالي والاقتصادي للمستهلكين الأميركيين. وكانت البيانات المستقاة من هذه الاستطلاعات مثيرة للاهتمام. فقد أكدت أن 49? من عمال الدوام الجزئي يفضلون العمل لساعات أطول بنفس الأجور التي يتقاضونها الآن، وأن 29? من الأميركيين يتوقعون الحصول على مدخول أعلى العام المقبل، و43? من ملاك البيوت الذين امتلكوها قبل عام واحد على الأقل يعتقدون أن قيمتها ارتفعت. لكنّ الإجابة عن سؤال مهم آخر كانت مثيرة للدهشة. فعندما سألت الخزينة المركزية المشاركين في الاستطلاعات عن الطريقة التي يؤمّنون بها تكلفة عملية إسعافهم لو تعرضوا لوعكة صحية، والبالغة 400 دولار، قال 47? إنهم إما أن يقترضوا المبلغ أو أن يبيعوا بعض ممتلكاتهم أو أنهم لن يتمكنوا من تأمينه مطلقاً». وعندما يتعلق الأمر بالحديث عن مآثر أوباما، فمن غير المقبول إغفال تأثير القوى التركيبية التي تعمل عملها والتي حجبتها تداعيات الأزمة المالية مؤقتاً. ولعل التطور الذي يشهده الاقتصاد الأميركي دفع المحللين، والأميركيين عموماً، للتوقف عن التفكير بأسباب الأزمة ذاتها والبدء بالتفكير فيما تبقى من مناهج خاطئة لإدارة نتائجها وتداعياتها. دافيد دريزنير أستاذ محاضر في جامعة «تافت»- ماساشوسيتس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»