تقف الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف في موقف صعب قد يؤدي للإطاحة بها من منصبها. فهناك فضيحة فساد تعصف بالبلاد، والمؤسسة السياسية برمتها تبدو كما لو أنها في حرب مع نفسها. ولذا قد يأمل المرء، في مثل هذه الأجواء المحمومة، أن يكون لنظم التعليم تأثير ملطف، وتدرب الطلاب على التفكير النقدي بشكل يخفف حماسهم واستقطابهم الحزبي. ولكن هذا أمل بعيد المنال، لأن المدارس البرازيلية وبدلًا من غرس روح النقد والبحث لدى الطلاب، أصبحت أرض معارك سياسية في أغلب الأحوال. وإذا كان هذا يبدو كما لو أنه مبالغة، فما عليك إلا أن تفحص المقررات الدراسية. وفي مراجعة مؤخراً لعشرة كتب حول تاريخ البلاد أقرتها الحكومة رصد فرناندو شولر الذي يتولى تدريس العلوم السياسية في جامعة أنسبر في ساو باولو، ما اعتبره قائمة أولويات منتشرة في الكتب الدراسية. وقال شولر: «في كل واحد من الكتب التي قرأتها، يبدو الميل واضحاً نحو اليسار، والعالم مقسم كما لو أنه في فيلم حرب النجوم إلى قوى الظلام وقوى الخير، حيث يواجه الاشتراكيون التقدميون أنصار رأس المال الدولي والليبرالية الجديدة». ولنأخذ مثال ما كتب عن الرئيس فرناندو هنريك كاردوسو الذي تعرض لمدح وقدح شديدين على السواء في عهده الذي شهد إصلاحات هيكلية شاملة. وفي كتاب «التاريخ العام للبرازيل»، وهو كتاب أساسي للمدارس العامة والخاصة، المتوسطة منها والعليا، يقرأ الطلبة عن زعيم «أكثر التزاماً بوسائل التمويل الدولي» وتسببت كثير من سياساته الخاصة بالسوق الحرة في «تصاعد البطالة» و«تدهور الصناعة» و«الركود الاقتصادي» وعدم المساواة الاجتماعية «الصارخة». وهناك نص آخر يزعم أن كاردوسو واصل فترة رئاسته الثانية «من دون تطبيق أي إصلاحات أو سياسات مهمة». والمفارقة أن كاردوسو حقق استقرار العملة وقلص الديون في فترة ولايته الأولى، وفي فترة ولايته الثانية بدأ عملية إصلاح المعاشات ودشن برنامجاً لتحويل النقد إلى الطلبة الفقراء وسن قانوناً للمساءلة المالية، وهو القانون الذي تُتهم روسيف بانتهاكه، لإخضاع إنفاق الحكومة للمراقبة. أما خلف كاردسو، زعيم حزب العمال اليساري «لويس إيناسيو لولا دا سيلفا» فيحظى بأوصاف أكثر لطفاً بسبب جرأته في إنفاقه الاشتراكي ومشروعات التنمية التي تقودها الدولة وسياسته الخارجية التي لم تلقِ بالًا للولايات المتحدة. ولا يتم إخبار الطلاب بأن «لولا» لم يُنتخب إلا بعد أن تخلى عن طريقته الساخرة في انتقاد الرأسمالية، وتعهد بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية لحقبة كاردوسو، وأن انتعاشاً دولياً في سعر السلع الأولية هو ما دعم برامجه الاشتراكية السخية. ومعالجة الكتب المدرسية أيضاً لتاريخ أميركا اللاتينية تصل إلى درجة المعركة بين الخير والشر كذلك. وقد انتقد المؤلفون بشدة الولايات المتحدة لدعمها للأنظمة العسكرية الحاكمة في البرازيل والأرجنتين وتشيلي. ولكن الكتب لم تنتقد كثيراً فيدل كاسترو، أو انتهاكات حقوق الإنسان أثناء فترة حكم هوجو شافيز في فنزويلا التي يصفها أحد الكتب بأنها «مركز لتحدي الرأسمالية العالمية التي تتزعمها الولايات المتحدة». وليس من المستغرب في الولايات المتحدة وأوروبا أن يكون الحرم الجامعي مكاناً يعبر فيه الطلاب عن اهتماماتهم وآرائهم في الشؤون العامة، ولكن إدخال قائمة أولويات سياسية لطلبة المدارس العليا أو حتى طلبة المدارس المتوسطة، خاصة في المدارس العامة التي يمولها دافعو الضرائب، فهذا شأن آخر. والمشكلة تتجاوز الكتب التعليمية. فعلى سبيل المثال، أقنع اتحاد قوي للمدرسين في ولاية «ريو جراند دو سول» في جنوب البرازيل المدارس العليا العامة بتقليص فترة الفصول الدراسية حتى يشارك التلاميذ في «فصول المواطن» التي ينظمها المعلمون المتظلمون من الأجور. ------------- مارك مارجوليس محلل سياسي برازيلي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»