لم تبدّد زيارة الرئيس الأميركي الأخيرة إلى الرياض ومشاركته في قمة مجلس التعاون الخليجي الخوف والقلق والشكوك والامتعاض من سياسته، وهي زيارة تزامنت مع مشروع قانون في الكونجرس يدعو إلى حظر بيع أسلحة معينة إلى المملكة العربية السعودية، يضمّ إلى مشاريع قوانين أخرى تتعلق بحملة مركّزة على المملكة في عودة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. صحيح أن الرئيس أوباما أعلن أنه لن يوقّع هذه المشاريع إذا ما أقرّت، لكن الصحيح أيضاً أنه لم يغيّر مواقفه، فقد دعا المجتمعين إلى الاتفاق مع إيران، وأعلن في واشنطن وبعد عودته بساعات أن «أميركا قرّرت شراء 32 طناً من الماء الثقيل الإيراني لتطوير الإنتاج الأميركي»، وهذا النوع من المياه هو نتيجة من نتائج المشروع النووي الأميركي الذي أبرم بشأنه الاتفاق بين طهران ومجموعة دول الـ5+1! وبعد هذا الإعلان، أعلن في موسكو عن نية شراء كمية كبيرة أيضاً من الماء الثقيل. إنه موقف ثقيل بمضمونه ومياهه وآفاقه ونتائجه على المنطقة، لكن هذه هي السياسة، الاتفاق وقّع لينفذ، وإدارة الرئيس أوباما كانت ولا تزال تدعو إلى التفاهم مع إيران. هي مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة. المطلوب معرفة التعاطي معها، وهذا ينطلق من قراءة دقيقة للوقائع. ثمة متغيرات هائلة ودراماتيكية حصلت وستحصل. المنطقة التي كنا نعرفها انتهت. الدول التي كنا نعرفها انتهى بعضها، والبعض الآخر على طريق النهاية، يشهد تغييراً بقرار داخلي قد ينجح وقد لا ينجح أو تغييراً بواقع ميداني على الأرض. الانفعالات لا تنفع. ردّات الفعل غير المدروسة تنعكس سلباً على أصحابها. الأميركيون تغيّروا، وحلفاؤهم تغيّروا، وانتهت مرحلة التحالفات التقليدية. والأميركيون يغيّرون، فهل يتغيّر الحلفاء والأصدقاء؟ حتى «الأعداء» غيّروا وتغيّروا وتفاهموا مع أميركا فماذا سيفعل الآخرون؟ مسؤول عربي التقى وزير الخارجية الأميركية جون كيري في إحدى العواصم الأوروبية بعد زيارة أوباما إلى الرياض وسأله: «إلى أين ستصل ضغوطاتكم على إيران؟ وهل أنتم جدّيون في العقوبات المالية والذهاب إلى تنفيذ قرارات المحاكم الأميركية وحرمان إيران من بعض أرصدتها المجمّدة لديكم»؟ أجابه كيري: «نحن ذاهبون إلى تنفيذ الاتفاق مع إيران. الضغوطات لن تغيّر هذا المسار، هي وسيلة لدفعها إلى التنفيذ الصارم، والالتزام الحاسم، ولإشعارها بأن يدها لن تكون مطلقة لاسيما في مقاربة القضايا الإقليمية الكثيرة المعقدة الشائكة التي لإيران دور كبير فيها من العراق إلى اليمن وسوريا ولبنان وغيرها. أما أنا فسأبقى أسألكم: إلى أين أنتم ذاهبون؟ ماذا ستفعلون؟ هل ستستمرون على رفضكم الاتفاق مع إيران»؟ أجاب المسؤول العربي: «لسنا نحن من رفض ويرفض تطوير العلاقات مع إيران على قاعدة عدم التدخّل في الشؤون الداخلية، ووقف محاولة زعزعة استقرار المنطقة وخصوصاً الدول المجاورة لها». قال كيري: «هذه لغة كلاسيكية معروفة. كنا نقولها، ولا نزال نعتبر أن ثمة دعماً إيرانياً لفصائل إرهابية ونمارس كل ضغوطاتنا عليها لوقف هذا الدعم، وكنا نعتبرها محور الشر في المنطقة ومع ذلك تفاوضنا معها واستخدمنا كل الأساليب الممكنة في التفاوض حتى وصلنا إلى الاتفاق الذي أوقف مشروعها النووي وبات تحت رقابتنا، ولم نوقف المسيرة التي بدأناها؟ فلماذا لا تفعلون الشيء ذاته ونحن إلى جانبكم؟». ردّ المسؤول العربي: «عزيزي جون. ألم تسمع الدكتور علي أكبر ولايتي يقول: (الرئيس الأسد انتخب لسبع سنوات. مرّت سنتان يجب أن يكمل ولايته حتى النهاية؟ فهل تقبل هذا الشيء؟ ألم تسمع تصريحات قادة الحرس الثوري وغيره عن التمدّد في المنطقة؟ ألا ترى ماذا يجري في اليمن؟ وفي العراق؟ ألا ترى هذا الدعم المفتوح لـ«حزب الله» وإعلان خامنئي التمسّك به لأنه المنارة كما قال». أجاب كيري: «تعرف أننا نعرف كل ذلك، وكنا نفاوض، ونحن نعرف أنكم تعرفون هذا وغيره. ولكن يا صديقي لقد استعدنا صحافياً أميركياً كان محتجزاً في سوريا. اتفقنا معهم على بقاء العبادي في العراق وأنتم تريدونه، ولا تريدون المالكي. اقتنعوا بعد تدخلنا بإعادة الوفد «الحوثي» إلى طاولة المفاوضات، ويوم كنا نفاوضه كان خامنئي يقول كلاماً أكبر مما ذكرت، وكان قادة الحرس الثوري يهدّدون ويتوعدون وفعلوا أشياء كثيرة لكننا وصلنا إلى الاتفاق. واليوم ثمة في طهران من يريد الاستمرار في هذا المسار. أما في سوريا فنحن قلنا من الأساس: لا مناطق آمنة. والأولوية لمحاربة «داعش»، وكنا واضحين، وأصدقاؤنا الروس قالوا منذ أيام: لا مناطق نفوذ، وثمة سعي مشترك لإنجاح جنيف. خطر الإرهاب بات يهدّد دولكم والدول الأوروبية، ما هو مشروعكم؟ معارضتكم مفككة، ولا موقفاً موحداً، فماذا تريدون منا أن نفعل أكثر؟ نحن لن نقاتل معكم! أما اليمن المهم أن تتوقف الحرب بسرعة لأن تداعياتها كارثية وأكتفي بذلك»! سألت بدوري المسؤول العربي الذي سمع هذا الكلام، ماذا تقول فأجاب: «للأسف صحّت وجهة نظرك، الأميركيون في مكان ونحن في مكان آخر. لهم حساباتهم ولنا حساباتنا، لكن الآخرين يستفيدون! لم نطالبهم بالقتال عنّا، وها نحن نقاتل لكنهم يرفضون القتال معنا أيضاً!». الخلاصة: حقيقة متأخرة وضياع. غازي العريضي* *وزير سابق ونائب حالي في البرلمان اللبناني