ينطلق المؤلفان جان رادفاني ومارلين لارييل في كتابهما: «روسيا بين المخاوف والتحديات»، من قراءة مزدوجة للتحدي الراهن الذي تمثله روسيا بالنسبة للغرب، وخاصة بعد حالة التصعيد غير المسبوقة بين الجانبين، على خلفية تداعيات الأزمة الأوكرانية، وتدخل موسكو لدعم أنصارها في شرق ذلك البلد الذي كان جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية السابقة، وذي المكوّن الثقافي والسكاني الروسي، ولكن المتطلع أيضاً لتعميق وتوسيع الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خاصة، والاندماج، تالياً، في الغرب بصفة عامة. وفي البداية يؤكد الكاتبان، وهما أكاديميان وباحثان متخصصان في الدراسات الروسية والأوراسية، أن علاقة روسيا بالغرب يمكن تلخيصها في عبارة واحدة هي «الخوف»، أو بكلمة أدق «الخوف المتبادل»، حيث لا يملك أي رئيس أميركي، مثلاً، ترف الشعور بالاطمئنان تجاه الدب الروسي، ولذا لم يكن مستغرباً أن يدأب بعض الرؤساء الأميركيين على تصنيف روسيا في خانة التحدي الخطير، وذلك لما تمثله من تهديد استراتيجي وسياسي لمصالح الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة، وقد كان مثل هذا الشعور هو كلمة السر الحقيقية في حالة الاستقطاب والعداء بين الشرق والغرب، طيلة فترة الحرب الباردة. ومثلما وصف الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الاتحاد السوفييتي السابق بأنه «إمبراطورية الشر»، ودعا لهزيمته والتغلب عليه بكل الطرق، تكشفت تجاذبات الأزمة الأوكرانية الراهنة بسرعة عن عودة روح الخوف والتوجس في الغرب من الخطر الروسي، ومن طموحات الكرملين والرئيس بوتين، هذا في وقت كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد بدأ فيه عهده بمحاولات انفتاح على روسيا، وسعي معلن لإعادة «ضبط العلاقة» معها، لكن كل ذلك تراجع لصالح رفع قفاز التحدي المتبادل بين الجانبين، وتبادل التهم بشكل محموم بالمسؤولية عن تأجيج الصراع المسلح في شرق أوكرانيا، وقبل ذلك ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا أيضاً. وفي سياق تنامي مشاعر عدم الثقة، والقلق الموروث والمتبادل، راح كثيرون في الإعلام وأروقة العواصم الغربية يغذون المخاوف في صفوف الرأي العام الغربي، من نزعة بوتين التدخلية، وقدرة -وربما رغبة- الكرملين على إلحاق الأذى بالغرب، هذا فضلاً عن الحديث المعتاد عن «عدم القدرة الوراثي» لدى الروس على تبني الديمقراطية! وقد احتفظت صورة روسيا في عهد بوتين عموماً بصورة سلبية في الغرب، حتى قبل نشوب الصراع في أوكرانيا، ما يعني، استطراداً، أن الحساسية بين الجانبين، تثقلها أعباء الذاكرة، ومرارات تجارب التاريخ، وإكراهات الجغرافيا، وموازين القوى الصعبة، أكثر من مجرد حسابات اللحظة الراهنة. وفي مقابل شيوع حالة الخوف من روسيا في الغرب، المعبر عنها عادة بعبارة «الروسوفوبيا»، هنالك أيضاً حالة رهاب داخلي لدى الروس أنفسهم، وشعور طاغٍ لديهم بالاستهداف من قبل الغرب. وطيلة الخمس والعشرين سنة الماضية، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ظل عدم الثقة في نوايا الغرب، حالة سائدة وعامة لدى الروس، وهو ما ازداد الشعور به أكثر في عهد بوتين، وخاصة بعد فرض الغرب حزمة واسعة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وتفاقم اختلاف مقاربتي الطرفين تجاه العديد من الأزمات والملفات الدولية الشائكة الأخرى مثل الملف النووي الإيراني، والأزمة السورية، وكيفية استعادة التوازن والتعددية إلى النظام الدولي. وكل هذا يبسط المؤلفان الحديث عنه مع تركيز خاص على محاولة تفكيك وتفسير جذور الخلاف التاريخية، والسياسية، والثقافية، والاستراتيجية، القديمة- الجديدة بين روسيا والغرب، التي تجعل سوء التفاهم المستحكم بينهما يكاد يكون هو القاعدة الثابتة، وما عداه استثناء عابراً، لا أكثر. حسن ولد المختار الكتاب: روسيا بين المخاوف والتحديات المؤلف: جان رادفاني ومارلين لارييل الناشر: أرمان كولن تاريخ النشر: 2016