يبدو من التحليلات الغربية والعربية التي تابعت وقائع القمة التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والرئيس الأميركي باراك أوباما في الرياض الأسبوع الماضي، أن علاقة الطرفين شهدت عدداً متزايداً من عمليات التغيير والتحريك للاستفادة من حالة الاستقلالية عن تبعات التحالف الاستراتيجي، وليس عودتها إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، فالأداء الدبلوماسي الخليجي الإقليمي والدولي يعيش حالة من النشاط السياسي في المنطقة، وبالتالي يكون الحديث عن رغبة خليجية في إعادة «هيمنة» الدور الأميركي في المنطقة كما كان الأمر سابقاً، محل تشكيك من قبل الكثيرين، خاصة أن دول الخليج عمدت إلى تشكيل عدد من التحالفات والاتفاقيات لمواجهة التمدد الإيراني، بعدما سعت الولايات المتحدة إلى تمكين إيران سياسياً في المنطقة. واضح أن هناك «اجتهادات» خليجية، خاصة من السعودية ودولة الإمارات، في مجال إعادة صياغة منظومة من السياسات التي تحفظ للإقليم مصالحه الاستراتيجية، أقربها استضافة العاهل المغربي محمد السادس في هذه القمة لتعزيز المواقف الخليجية من خلال العمق العربي، حيث لا تحتمل الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة أي «غموض»، كما أنه لم يعد مقبولاً أن تزعج الولايات المتحدة حلفاءها الاستراتيجيين بسياسات غير متوازنة، حتى ولو كان هناك من يدعي أنها مجرد مرحلة رئاسية مرتبطة بالرئيس أوباما، لأن الجميع يدرك أن الرئيس في الولايات المتحدة هو «منفذ» للتوجه السياسي العام الذي تصنعه مجموعة من المؤسسات هناك. الواقعية السياسية الخليجية (التي تجاوزت «الزعل» والغضب من التصرفات الأميركية) تؤكد أن الطموحات الخليجية لم تعد تقف عند محاولة إيقاف التمدد الإيراني، وإنما تسعى إلى فتح أبواب جديدة لعلاقات مع دول أخرى، مثل روسيا والصين، كما أنها تحاول أن تصوغ قرارات وطنية وإقليمية كبدائل عن الاعتماد على طرف دولي وحيد. وهذا التوجه صاغه إدراك خليجي بأن الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية، بل هي دولة كبرى تبحث عن مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، ولذلك فمن حقها هي الأخرى البحث عن مصالحها. الخليجيون استغلوا لحظة تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها للخروج من «الجلباب» الأميركي، ونوَّعت علاقاتها الدولية والإقليمية من أجل إحداث نوع من التوازن الإقليمي. ويبدو من استقراء الواقع أن دول الخليج باتت رقماً إقليمياً يعرف الجميع حجم تأثيره، بمن في ذلك الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وإلا لما اهتمت الإدارة الأميركية بمحاولة تصحيح مواقفها حالياً، بل إن دول الخليج بدأت التعامل بمنهج الند للند مع الولايات المتحدة، وبدأت ترفض أن تُعامَل كما لو أنها «الجدار الأقصر» الذي يمكن أن تقفز عليه واشنطن فيما يخص المنطقة. حالياً، ليس باستطاعة أحد تقدير الفائدة التي يمكن أن تحققها دول الخليج من «تحريك» طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة، فالفترة ما زالت قصيرة مقارنة بالفترة الزمنية التي ارتبطت فيها عرى العلاقات الخليجية الأميركية، لكن المؤكد -كما يبدو من تصريحات رسمية عدة- هو أن هناك إعادة تقييم لهذه العلاقات. لم يعد الخليجيون مشغولين كثيراً بتكييف علاقاتهم وفق التوجهات الأميركية، لكن هذا لا يمنع أن يتباحثوا مع واشنطن بشأن مستقبل المصالح المشتركة، وهذا من باب إدراك أن للدول مصالحها، فالخليجيون في مرحلة التفكير الواقعي والمنطقي، وبالتالي لا توجد مشكلة في أن يستفيد كل طرف من الآخر وفق منطق العلاقات الدولية: «لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم، وإنما هناك مصالح دائمة». لم يعد تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن مسؤولياتها تجاه أمن المنطقة واستقرارها عبئاً على صانع القرار الخليجي، بل كان هذا التغير طاقة خليجية إيجابية، وفرصة سانحة لإدارة أزمة الفراغ الأمني، حيث اتخذت هذه الدول قرارات للحفاظ على أمنها بطريقة فوجئ بها الأميركيون أنفسهم، لهذا لا تجد أحداً في دول مجلس التعاون يحتاج إلى العودة لمعرفة السبب وراء تغير الموقف السياسي الأميركي عندما تخلت واشنطن عن حلفائها التقليديين، بقدر ما يحاول أن يحدد مسار فعله لكي لا يتكرر المشهد السابق مرة أخرى. لقد دخلت دول الخليج خلال الفترة الماضية في العديد من التحالفات وشبكات المصالح الإقليمية والدولية، وذلك من أجل سد الفراغ السياسي الذي أحدثته السياسات الأميركية في المنطقة، الأمر الذي لم يعد يسمح بعودة تلك العلاقة إلى فترة ما قبل الاتفاقية النووية بدون ضمانات تحترم الالتزامات الدولية.