يبدو أن الحراك الذي تشهده البرازيل ضد رئيستها الحالية ديلما روسيف، هو حراك واسع وقوي وماضٍ في طريقه نحو خلعها من سدة السلطة نهائياً. وفي محاولة من روسيف لكبح ما تعتبره انقلاباً ضد الديمقراطية على أيدي مناوئيها في البرلمان وأنصارهم في الميادين العامة والشوارع، لوحت أول أمس السبت بالعقوبات الخارجية، قائلة إنها ستناشد مجموعة «ميركوسور» الاقتصادية لدول أميركا اللاتينية بتعليق عضوية البرازيل إذا ما تم خرق العملية الديمقراطية. وإلى ذلك قامت روسيف داخلياً بإجراء تعديل حكومي أقالت بموجبه وزيري الطاقة والمناجم المقربين من نائبها ميشال تامر الذي كان حليفها حتى وقت قريب، لكنه مرشح الآن، بموجب الدستور، لتولي سدة الحكم حتى عام 2018 حين يتم تنظيم انتخابات رئاسية. فمن هو تامر الذي أصبح موضع غضب الرئيسة روسيف، وحصان الرهان الأبيض بالنسبة للمعارضة البرازيلية؟ إنه محام وسياسي وأستاذ جامعي برازيلي، يشغل منصب نائب الرئيس الفيدرالي للبرازيل منذ يناير 2011، تعود أصوله إلى لبنان، وتحديداً إلى قرية «تبوره» في قضاء كورة، أحد الأقضية الستة لمحافظة الشمال (عاصمتها طرابلس، ثاني أكبر مدينة في بلاد الأرز). لكن «ميشال إلياس ميغيل تامر» ولد في مدينة «تييتيه» بولاية ساوباولو في البرازيل عام 1940، وهناك نشأ وترعرع وتابع دراسته إلى أن حصل على درجة البكالوريوس في القانون من كلية الحقوق في جامعة ساوباولو، ثم على الدكتوراه في القانون الدستوري من الجامعة البابوية الكاثوليكية في ساو باولو أيضاً. ثم أصبح أستاذاً في جامعة ساوباولو وأحد المحامين البارزين في المدينة، وتم اختياره عضواً في الجمعية التأسيسية الوطنية التي أصدرت في عام 1988 الدستور البرازيلي الحالي. وقبل ذلك، في عام 1987، كان قد فاز خلال الانتخابات التشريعية بأحد المقاعد الممثلة لساوباولو في البرلمان الفيدرالي، حيث أعيد انتخابه لعدة مرات في المقعد ذاته. ومن عام 1997 وحتى عام 2001 كان تامر رئيساً للغرفة السفلى (مجلس النواب) في البرلمان البرازيلي، كما ترأسها مجدداً بين عامي 2009 و2010. وقد أصبح تامر منذ عام 1995 رئيساً لحزب «حركة البرازيل الديمقراطية»، وهو حزب ينتمي لتيار الوسط ولرابطة الأحزاب الديمقراطية في أميركا اللاتينية، وهو وريث «حركة البرازيل الديمقراطية»، أحد التنظيمين الرئيسيين خلال عهد الدكتاتورية العسكرية في البرازيل. وكان إلى جانب «الحزب الاشتراكي البرازيلي»، أحد الشريكين الأساسيين لـ«حزب العمال البرازيلي» بقيادة الرئيسة روسيف، في الائتلاف الحكومي على المستوى الفيدرالي. لذلك تم اختياره مرشحاً لمنصب نائب الرئيس في انتخابات أكتوبر 2010، والتي فازت بها مرشحة «العمال» روسيف، ليستلما منصبيهما في الأول من يناير 2011. ثم تم التجديد لهما معاً في 26 أكتوبر 2014 في ولاية جديدة مدتها أربع سنوات. لكن معارضي الرئيسة روسيف لم يمكنوها من إكمال ولايتها الثانية والأخيرة، فرغم أنها حاولت متابعة المعركة التي بدأها سلفها ومعلمها لولا دي سيلفا، لمكافحة الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي في البرازيل، فإن أداءها، لاسيما في الشق الاقتصادي، خلّف خيبة أمل لدى البرازيليين. ثم كانت فضيحة شركة النفط العملاقة بتروبراس، المملوكة للحكومة البرازيلية، والتي تفجرت بعد انتخابات عام 2014، حين ألقي القبض على عشرات من كبار المسؤولين في الشركة وبعض المديرين في شركات أخرى بتهمة تكوين تكتلات غير مشروعة ودفع رشاوى بالملايين لإبرام طلبيات مع بتروبراس، وقيل إن جزءاً من أموال الرشاوى وصل إلى أحزاب بينها «حزب العمال» الذي تنتمي إليه روسيف. ومع توسع التحقيق زاد عدد المشمولين بالفضيحة، حتى شملت دائرة الاشتباه الرئيس السابق لولا والرئيسة روسيف نفسها. ثم فتحت روسيف على نفسها باباً لم تستطع إغلاقه إلى الآن حين أعلنت في فبراير الماضي تعيين لولا مستشاراً لديها، رغم أنه متابع قضائياً في فضيحة بتروبراس، مما أثار غضب القضاة الذين بادروا لإبطال قرار تعيينه. وفي الثامن عشر من الشهر الجاري وصلت الأزمة السياسية في البرازيل نقطة متقدمة في مسار تفاعلاتها، خلال جلسة تاريخية لمجلس النواب البرازيلي أقر فيها بأغلبية ساحقة إجراءات إقالة الرئيسة روسيف، واتخاذ قرار فيها من قبل مجلس الشيوخ في جلسة له منتظرة يوم 11 مايو المقبل. ويكفي أن يصوت مجلس الشيوخ بالأغلبية البسيطة لمصلحة إقالتها، من أجل توجيه التهمة إليها رسمياً وإبعادها من الحكم في انتظار صدور الحكم النهائي بحقها. وعندئذ سيتولى ميشال تامر منصب الرئاسة ويشكل حكومة انتقالية، وفقاً للدستور ولحركة المواقف السياسية والحسابات الحزبية الظاهرة خلال الأسابيع الأخيرة في البرازيل. ولعل ذلك ما جعل روسيف تصدر قراراً، يوم السبت الماضي، بإقالة وزيري الطاقة والمناجم من منصبيهما، كونهما ينتميان إلى حزب «حركة البرازيل الديمقراطية» بقيادة تامر، إلا أنها أبقت على وزيرين آخرين كانا ضمن حصة الحزب في حكومتها، لكنهما رفضا الاستجابة لقرارات الحزب وفضلا الاستمرار في تأييد الرئيسة، رغم أن تامر وحزبه قد حددا طريقهما بعيداً عن روسيف وحزبها، إلى جانب المعارضة اليمينية، وباتجاه الوصول إلى منصب الرئاسة. لبناني يتأهب لرئاسة البرازيل، الدولة الأكبر في أميركا اللاتينية، مدة عامين قادمين، بينما لبنان -الدولة الأصغر في المشرق العربي- بلا رئيس منذ عامين! محمد ولد المنى