تواجه أوروبا بوضوح مشكلة مع معاداة السامية والإسلاموفوبيا والتعصب تجاه المهاجرين الجدد. وفي محاولة للتحقق من هذه المجموعة المقلقة من المخاوف، أجرت مؤخراً «اللجنة الأميركية بشأن الحريات الدينية العالمية»، التي كنت عضواً فيها، نقاشاً مع اليهود والمسلمين الأوروبيين. وقد أدليت بالتصريحات الختامية، وانتهزت الفرصة للإشارة إلى أنه في حين أمكن للتجربة الأميركية تقديم نموذج يبعث على الأمل، إلا أنني لا أنظر إلى الأمر على أنه توجيه للاتهام، لأن معاداة السامية والإسلاموفوبيا ظاهرتان غير غريبتين على الولايات المتحدة. وتؤكد إحصائيات «مكتب التحقيقات الفيدرالي» بشأن جرائم الكراهية أنه خلال العام الماضي، كانت 58 في المئة من جرائم الكراهية المرتبطة بالدين بحق اليهود، و17 في المئة كانت ضد المسلمين. وبحسب تقرير 2015 الصادر عن «المركز الجنوبي لقوانين الفقر»، هناك 34 منظمة تروّج للكراهية ضد المسلمين تعمل في الولايات المتحدة، و10 جماعات لإنكار الهولوكوست، و19 منظمة «هوية مسيحية» معادية للسامية. ومعظم هذه الجماعات المعادية للسامية، وإن كانت خطيرة، لكنها تعمل على أطراف المجتمع، لأنها اشتهرت بسوء السمعة، ولم تجد مكاناً في المسار السياسي العام. وعلى رغم ذلك، لا يزال تأثيرها واضحاً في مئات من جرائم الكراهية التي تحرض عليها. وليست الحال هكذا فيما يتعلق بالخطاب والأفعال المعادية للمسلمين. ففي حين أن كثيراً من الجماعات المروجة للإسلاموفوبيا نشرت أيضاً كراهيتها في الظلام، إلا أن التصريحات المعادية للمسلمين وجدت أيضاً طريقها إلى المسار السياسي العام، وأحدثت مناخاً سياسياً سلبياً للمسلمين الأميركيين. وفي عام 2010 على سبيل المثال، كانت هناك حملة وطنية تهدف إلى إعاقة الجهود الرامية إلى بناء مركز للجالية المسلمة في جنوب مانهاتن. وفي 2012، أعلن 5 مرشحين رئاسيين أنهم قبل أن يسمحوا لأي أميركي مسلم بالعمل في إداراتهم، فسيحصلون منه على قسَم خاص بالولاء. وخلال السباق الرئاسي الحالي، دعا مرشحان رئاسيان بارزان إلى حظر جميع المهاجرين المسلمين من دخول الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، وجدت الحملة المناهضة للمسلمين طريقها على مستوى الولايات. ومنذ عام 2010، شهدت 36 ولاية أميركية إما تمرير أو مناقشة تشريع مخصص لحظر تطبيق أحكام الشريعة، وهي جهود غريبة ومستهجنة لأن أحداً لم يقترح تطبيقها في الولايات المتحدة. والحملة برمتها لم تكن سوى محاولة لترويج الخوف واستخدام المسلمين كوسيلة لذلك. وكان تأثير ذلك التحريض كارثياً على الرأي العام. وفي عام 2010، أظهرت استطلاعات الرأي أن الشعب الأميركي كانت لا تزال لديه نزعة إيجابية للمسلمين الأميركيين، بنسبة بلغت 48 في المئة مؤيدين مقابل 33 في المئة غير مؤيدين. ولكن بحلول عام 2015، انقلبت هذه الأرقام رأساً على عقب، فأصبح هناك 33 في المئة مؤيدون في مقابل 37 في المئة غير مؤيدين. ولم يكن للحملة الانتخابية الراهنة تأثير فقط على المواقف تجاه المسلمين بشكل عام، ولكنها أيضاً أثرت على مواقف الشعب من الترحيب بقدوم مهاجرين جدد من دول مسلمة. والنتيجة هي أن مواقف الأميركيين أضحت متماثلة تقريباً مع وجهات النظر المتعصبة لدى بعض الأوروبيين. وفي استطلاع حديث للرأي أجراه مركز «زغبي» للخدمات البحثية، في ست دول أوروبية والولايات المتحدة، توصلنا إلى أنه توجد في جميع تلك الدول تقريباً (باستثناء المملكة المتحدة) أغلبية أو أكثرية ستؤيد بقوة استقبال اللاجئين الأوروبيين في مجتمعاتها، إلا أنه في جميع هذه الدول أغلبية أو أكثرية تعارض بقوة الترحيب بالمهاجرين المسلمين. ويعني ذلك أننا نتقاسم المشكلة ذاتها. وعلى رغم هذا، لا تزال هناك دروس يمكن أن نتعلمها من التجربة الأميركية، ويمكن أن يستفيد منها الأوروبيون. ففي حين أن المناخ السلبي الحالي أحدثه المتعصبون ومن يعانون من الرهاب الإسلامي، إلا أن أميركا اجتازت طريق التعصب من قبل، ولطالما وجدت طريقة لتصحيح ذاتها. ويمكن أن يتم التوصل للحل من خلال الميزة الاستيعابية للهوية الأميركية. فقد جاء المهاجرون إلى هنا من أرجاء العالم كافة، وواجهوا صعوبات في البداية، وفي نهاية المطاف أصبحوا أميركيين. وفي منتصف القرن التاسع عشر، تعرضت الكنائس الكاثوليكية ومنازل المهاجرين الإيرلنديين للحرق وتمت تسويتها بالأرض. ووصف المهاجرون من أوروبا الشرقية والوسطى بأنهم «كسالى سكّيرون». وتعرض الإيطاليون للإعدام أيضاً في الجنوب في بدايات القرن العشرين أو تمت مقاضاتهم لأنهم مثيرون محتملون للفوضى. ولكن هذه لم تكن أبداً نهاية القصة، لأنه على رغم ارتفاع صوت المتعصبين، إلا أن الانتماء العرقي لم يحدد أبداً كون المرء أميركياً. ولم يكن ذلك سهلاً، فدوماً كان هناك من يقاوم الترحيب بالمجموعات الجديدة، غير أنه في النهاية كان المتعصبون دائماً هم من يخسرون.