هل تنسحب الدول الأفريقية من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بهولندا؟ طرحت فكرة الانسحاب في مؤتمر القمة الأفريقية الأخيرة، على أساس اتهام المحكمة بأنها لا تقاضي سوى الرؤساء الأفارقة. وبالفعل منذ إنشاء المحكمة الدولية في عام 2002، لم يمثل أمامها بتهم ارتكاب جرائم جماعية أو جرائم ضد الإنسانية سوى رؤساء أفارقة سابقين أو حاليين. وفي الوقت الحاضر، تنظر المحكمة في تسع قضايا، كلها تتعلق بأفريقيا. غير أن ستاً من هذه القضايا أحيلت عليها من حكومات أفريقية معنية بالمجازر التي وقعت فيها، وقضيتين فقط أُحيلتا إليها من مجلس الأمن الدولي. ويمثل اليوم أمام المحكمة الرئيس السابق لساحل العاج لوران غباغبو. وتتهم المحكمة الرئيس السوداني الحالي بالمسؤولية عما يقال إنها جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في دارفور بالسودان، وهي تهم ينفيها السودان جملة وتفصيلاً. وكذلك توجه المحكمة الدولية تهماً إلى نائب الرئيس الكيني «ويليام روتو» بإثارة فتنة في بلاده أدت إلى مقتل الآلاف إثر انتخابات نيابية جرت هناك. وكانت وجهت التهمة أيضاً إلى الرئيس الكيني السابق «أوهورو». غير أن المحكمة سحبت هذه الاتهامات في عام 2014 بعد أن تسببت في تشويه سمعته والإساءة إليه. وفي ضوء هذا السجل الاتهامي للمحكمة، ردت القمة الأفريقية باتهام معاكس، وهو اتهام المحكمة الدولية ذاتها بالعنصرية، من خلال استهداف الدول الأفريقية دون سواها. غير أن مدعي عام المحكمة «فاتو بنسودة» أفريقية من غامبيا، الأمر الذي يطعن في صدقية اتهام المحكمة بالعنصرية. ومما يعزز ذلك: أولاً: أن الاتهامات التي وجهت إلى الرئيس الكيني السابق صدرت عن مجلس الأمن الدولي في الوقت الذي كانت على رأس الأمم المتحدة شخصية أفريقية مرموقة هي كوفي أنان، وهو من غانا. ثانياً: أن أوغندا هي التي اتخذت المبادرة بإحالة قائد «جيش الرب» دومنيك أوغوين الذي ارتكب سلسلة مجازر في شمال أوغندا وحتى في جنوب السودان إلى المحكمة الدولية. ثالثاً: أن جمهورية الكونغو هي التي طالبت محكمة الجنايات الدولية بتسليمها مجرم الحرب الكونغولي جيرمان كاتناف بعد أن انتهت فترة عقوبته، لمحاكمته من جديد في الكونغو، وقد تجاوبت المحكمة معها. رابعاً: أن المحكمة قررت النظر في الجرائم الجماعية التي ارتكبت في جورجيا أثناء الحرب مع الاتحاد الروسي في عام 2008. وستكون هذه القضية الوحيدة -غير الأفريقية- التي تنظر فيها المحكمة. ولكن ماذا عن المجازر التي ارتكبت في سوريا؟ وماذا عن المجازر التي ارتكبت في العراق.. وفي ليبيا؟ متى تقرر المحكمة النظر فيها، ومتى توجه التهمة إلى المسؤولين عنها؟ ثم هل إن التسويات السياسية تمنح المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم حصانة ضد توجيه التهمة إليهم، ومن ثم إحالتهم إلى محكمة الجنايات الدولية؟ وهل إن نصوص هذه التسويات تعطل القانون الدولي الذي ينص على محاكمة كل مسؤول يرتكب جريمة جماعية بحق شعبه أو بحق أي شعب آخر؟ في أبريل من عام 2011، ألقي القبض على الرئيس السابق لساحل العاج. وقد اتهم بتحريض مؤيديه على ارتكاب جرائم قتل واغتصاب على نطاق واسع وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية. وقام بتسليمه إلى المحكمة الرئيس الحالي نفسه. لا ينكر قادة القارة الأفريقية صحة الجرائم المنسوبة إلى بعضهم، ولكنهم يتساءلون: لماذا تغض المحكمة الطرف عن الجرائم التي يرتكبها آخرون؟ ففي الهند مثلاً كان زعيم حالي متهماً بارتكاب جريمة جماعية ضد المسلمين، حتى أنه كان ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة. وبعد انتخابه زعيماً سياسياً استقبله الرئيس الأميركي في البيت الأبيض بكل حفاوة وتكريم! ثم ماذا عن الجرائم التي وقعت في سيريلانكا بين الدولة وحركة «نمور التاميل»؟ وماذا عن الجرائم التي استهدفت المسلمين - ولا تزال - في ميانمار؟ لماذا التركيز على أفريقيا وحدها دون سواها؟ تقف هذه التساؤلات وراء اتهام أفريقيا لمحكمة الجنايات بالعنصرية.. كما تقف أيضاً وراء الدعوة للانسحاب منها. ولكن إذا انسحبت دولة أو حتى كل الدول الأفريقية من عضوية المحكمة الدولية، فهل إن ذلك يعني إسقاط حق المحكمة في ملاحقة مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية؟