حوار مهم أجرته صحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة يوم الثامن عشر من شهر أبريل الجاري مع وزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هيغل، ألقى فيه الضوء على بعض الملفات السياسية الساخنة في المنطقة، لاسيما العلاقات بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، والتي وصفها بأنها علاقات قوية واستراتيجية رغم الخلافات التي تتخللها من حين لآخر، نتيجة لتضارب المصالح أحياناً مما ينعكس على سياسة الطرفين في المنطقة، ونلاحظ أنه رغم حرصه الشديد على تأكيد قوة هذه العلاقات واستمراريتها، فإن هيجل لم يتردد في القول بأنها لن تكون على حساب علاقة الولايات المتحدة مع إيران. ولدى تطرقه لموضوع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، مثل «داعش»، أشار إلى العوامل التاريخية التي صنعت هذه الحالة، وأهمها: الاستعمار الأوروبي، والاقتصاد غير المتطور، والصراع الديني، والتكنولوجيا الحديثة التي أعطت المنظمات الراديكالية قوة تستخدمها لتهديد الدول والمجتمعات. هذا علاوة على سياسة نوري المالكي، رئيس وزراء العراق السابق، والتي لعبت دوراً خطيراً في بروز «داعش»، ورغم أن هيجل يتجنب الحديث كلياً عن التورط الأميركي والإسرائيلي في صناعة مثل هذه التنظيمات الإرهابية، والذي أثبتته دراسات سياسية، وأشار إليه مراقبون ومحللون.. فقد اعترف بأن غزو العراق واحتلاله كان خطأ تاريخياً ارتكبته الولايات المتحدة، وجرّ للمنطقة الكثير من الخراب والدمار، وجعلها تعيش في حالة من الفوضى وعدم الأمن، كما اعترف بأن التدخل الأوروبي في ليبيا كان خطأ تاريخياً هو كذلك، إذ أوجد حالة خارج نطاق السيطرة، على غرار ما حدث في اليمن وسوريا والعراق. ووصف هيجل الوضع في المنطقة العربية عموماً، بعد هذه الأخطاء التاريخية، بأنه أصبح أقل استقراراً وأكثر خطراً مما كان عليه في أي وقت منذ الحرب العالمية الثانية. ولعل التناقض الواضح في حوار هيجل يتصل بموضوع إيران، فرغم قوله بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وقد صنفت أميركياً ضمن «محور الشر»، فقد طالب دول الخليج بالتعاون معها لإيجاد «قواسم مشتركة»! اللغة التي تحدث بها هيجل ليست جديدة على المسؤولين الأميركيين، وقد تحدث بها أوباما نفسه، رغم أن النشاطات الإيرانية باتت معروفة للعالم العربي، في ظل النهج الطائفي لطهران، والذي لن يتغير طالما بقي الملالي على رأس السلطة هناك، وطالما استمروا في تأجيج الصراعات الطائفية، وتسليح وتمويل الميلشيات الإرهابية، وتجنيد شبكات التجسس لخدمة نشاطاتهم التخريبية، الشبكات التي تم كشفها في البحرين عام 2010، وفي قطر عام 2011، وفي الكويت عام 2012.. ولم تسلم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من خطرها، حيث تم ضبط عناصر تشغل مناصب في مجالات أكاديمية واقتصادية ومالية وطبية، كانت تخطط مع المخابرات الإيرانية لارتكاب أعمال تخريبية ضد المنشآت الحيوية السعودية والإخلال بالأمن وتفكيك وحدة المجتمع وإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة. وفي دولة الإمارات تم القبض على خلية لـ«حزب الله» (تجري محاكمتها حالياً) تضم جواسيس جندتهم المخابرات الإيرانية، واستطاعوا تجنيد أشخاص آخرين من جنسيات عدة، وحاولوا جمع معلومات عن بعض المنشآت الحيوية في الدولة، بغية الإضرار بالسكينة العامة وبواقع الازدهار الاقتصادي الذي تنعم به دولة الإمارات. هناك إذن حرب صفوية شرسة على دول الخليج العربية، هدفها ضرب أمن هذه الدول واستقرارها، والإخلال بسلامة المنطقة عموماً، إذ لدى العقل الإيراني قناعة منذ أيام الدولة الصفوية بأن كل الدول المجاورة يجب أن تكون في دائرة نفوذ طهران، تسير وفق هواها وعلى ضوء عقيدتها!